Saturday, August 8, 2015

ذكريات أبيض وإسود

المجتمعات المختلفة بتمر بمراحل مهمة في تاريخها، ومن أهم المراحل دي مرحلة ابتكار نظام للكتابة.. أول ما المجتمع يبدأ يتفق على شكل الحروف وقواعد عامة للكتابة بيبدأ المجتمع يدخل في مرحلة جديدة، لأنه بيقدر وقتها يوثَّق تاريخه ويعبَّر عن أحلامه ويدوِّنها، ويقدر كمان ينقل رسايله لناس تانية بطرق أسهل شوية و"أدق" من التواصل الشفهي..

والظاهر إن رغبة الإنسان في "تثبيت" أو "تسجيل" الخبرات هي رغبة ملحة وفي الغالب هي الدافع ورا اختراعات وأفكار كتير زي الكاميرات وزي الكتابة على الجلود والحيطان وغيره.. بنحس إن عقلنا ممكن ما يسعفناش عشان نفتكر اللي حصل، لكن لو معانا صورة أو فيديو أو كتاب متسجِّل فيه التفاصيل ممكن نحس بالأمان أكتر..

وفي الزمن ده اللي فيه ممكن نصور ونسجِّل وندوِّن ونوثَّق كل حاجة بسهولة، بقى عندنا مشكلة في الحاجات اللي تفاصيلها بهتت، الحاجات اللي مش بوضوح الألوان.. وبقى الأبيض والإسود رمز للتأخر، رمز لعدم الوضوح..

لكن لما الموضوع يخص الذكريات لازم نفتكر إن فيه متعة خاصَّة في الذكريات الباهتة.. فيه ذكريات جزء كبير من جمالها هو إنها باهتة! حلاوتها في المجهود الذهني اللي بنبذله وإحنا بنحاول نفتكر تفاصيلها..

الخوف ساعات إن اعتمادنا على إننا "اتصوَّرنا" بيوهم عقلنا إنه "يريَّح" هو! مش محتاج يفتكر، أصل كلُّه "متسجِّل".. ونكاد نكون بنفقد المهارة الحلوة (المتعبة أحيانًا) اللي فيها بنحاول نفتكر ذكرياتنا.. نحاول "نلوِّن" صورنا الباهتة، و"نكمل" باقي القصة..

يا ترى هل هو ده اللي بيخلِّي تيتة وجدو والناس الكبيرة بيكرَّروا القصص كل ما يشوفونا؟ يا ترى هو ده اللي بيخليهم يحكوا نفس الأحداث بنفس تفاصيلها حتَّى وهم عارفين إنهم بيكرروها؟ يمكن يكونوا بيلوِّنوا قصصهم؟ "بيزهُّوا" عليها عشان ما ينسوش؟..

فيه جمال خاص في القعدات الأسرية وقعدات الأصحاب اللي فيها جمل زي "فاكر لما....؟" ويترد عليها "أيوة، ساعة ما..." وتكون المجموعة قاعدة تجمَّع خيوط الذكرى معتمدين على "خط" كل واحد بيحاول "يزهِّي" بيه صورة بهتت..


مش شرط نفتكر كل الذكريات.. حلو إن بعض الذكريات تفضل باهتة ونفضل حاسين بحلاوتها.. من غير ما نسجِّلها، ولا نثبِّتها، ولا نحتفظ بيها متلونة وزاهية وواضحة.. حلوة برضه الذكريات الأبيض والإسود..

1 comment: