Saturday, August 29, 2015

مثلًا يعني

بنحتاج في كلامنا إننا نستخدم أمثلة وتشبيهات، مرات عشان نبسَّط اللي بنقوله، ومرات عشان ندِّي فكرة التعميم على حاجات تانية شبه المثل..

لكن زي أي 'رمز' الأمثلة والتشبيهات اللي بنستخدمها ليها دلالة أكبر من مجرد توظيفها على إنها مجرد مثل.. الرموز عمومًا بتاخد قيمتها من القيمة اللي مجموعة كبيرة من الناس بتديهالها.. وقتها القماشة الملونة بتبقى 'علم' بيشاور على البلد وعلى سيادتها وتفردها، والورقة المكتوب عليها 'شهادة تخرج' بتبقى علامة على نجاح في دراسة لسنين طويلة ومسوغ للتعيين في وظايف معينة وهكذا..

مفهوم طبعًا إن الرمز في حد ذاته ممكن مايكونلوش قيمة 'مادية' (يعني ورقة ال١٠٠ جنيه ممكن قيمة المواد المستخدمة فيها يكون قريب من قيمة المواد المستخدمة في ال٥٠ وال٢٠ برضه) لكن القيمة بيحددها اتفاق المجتمع على استخدام الرمز أو المثل..

لو بأتكلم معاك وبأدي مثل عن وظيفة أو ديانة أو سن أو دراسة وغيره أنا بأساهم في تكوين وتشكيل قيمة المثل ده في مفهومنا الجمعي..

يعني مثلًا: لو أنا بأشجعك عشان تذاكر وقلتلك 'لو ذاكرت واجتهدت ممكن تبقى .... كبير' وهنا ممكن ناس تقول 'دكتور' أو 'مدرس' أو 'لاعب كورة' أو 'وزير' أو غيره.. على الرغم إن المثل المستخدم هو مجرد مثل عن 'وظيفة كويسة' فلو مش باخد بالي هألاقي إني بأسس عند اللي بأتكلم معاه إيه هي الوظيفة الكويسة وإيه الوظايف الأي كلام..

'حتى لو أبوه بيشتغل .....'، 'إنشالله يا أخي كان بوذي أو يهودي أو مسيحي أو مسلم أو هندوسي أو ملحد أو.. أو..' كلها بتدي انطباعات سلبية أو إيجابية وبتدي للمثل استخدام أكتر من مجرد إنه مثل.. بتحط الديانات دي أو الوظايف دي أو أماكن السكن دي في خانة (حلوة أو وحشة) بتأثر في قبولنا أو رفضنا ليها في المستقبل..

زي ما بيتقال إننا ناخد بالنا من النكت والهزار اللي بنقوله لأن جواه حقيقة مصدقين جزء منها، كمان محتاج آخد بالي من الأمثلة اللي بأستخدمها عشان أوضح أو أشرح حاجة..

المثل مش 'مجرد مثل'، لأن جواه افتراضات ومعاني بتشاور على قيمة ممكن تأثر في استقبالي للحاجة دي في المستقبل لما مايبقاش مثل لكن حقيقة..

Saturday, August 22, 2015

النصاب

بييجي لناس كتير إحساس بيسمُّوه "متلازمة المحتال" أو Imposter Syndrome وفي الظاهرة النفسيَّة دي الواحد بيحس إنه مش كفء ومش شاطر كفاية ومش على قد المستوى المطلوب في وظيفته أو الحاجة اللي بيذاكرها أو النشاط اللي بيعمله.. وكمان بيبقى فيه الإحساس بتاع "أنا ماشي بالستر، لو الناس تعرف اللي فيها هايكتشفوا إني أي كلام".. الناس اللي بتحس الإحساس ده مش عدد قليل، وغالبًا بين وقت والتاني بيجيلنا الإحساس ده لما بنشوف ناس "أشطر مننا" في الشغل أو لما بنلاحظ إن فيه زمايلنا "واثقين في نفسهم" أو "عارفين كل حاجة"  وعندهم حلول لكل التحديات .. وممكن أبقى خايف "أتفقس" ويعرفوا إني "نصَّاب"..


إحساس صعب، صعب إني أكون حاسس إنه "على الله ما حدش يسألني سؤال ما أعرفوش" أو "يا رب ما تكسفنيش" أو "ربنا يستر قبل ما ييجي اليوم ويكتشفوا إني ما أستاهلش وظيفتي اللي أنا فيها"..

خوفنا من إننا ما نكونش "أذكيا" أو "شاطرين" ساعات بينسِّينا إن الحكاية مش كلها شطارة أو ذكاء.. فيه دراسة لطيفة اتعملت وإدُّوا مجموعة من الأطفال مسألة يحلُّوها ولما كلُّهم حلُّوها صح، قالوا لنصًّهم "برافو عليك، إنت أكيد شاطر عشان كده عرفت تحلّها" وقالوا للنص التاني "برافو عليك، إنت أكيد بذلت مجهود جامد عشان تحلها".. بعد كده سألوا المجموعتين لو يحبوا يحلوا مسألة أصعب ولا أسهل.. أغلب اللي اتقالهم "أنت بذلت مجهود" اختاروا ياخدوا مسألة أصعب ويتحدوا نفسهم، وأغلب اللي اتقالهم "برافو إنت شاطر" اختاروا مسألة أسهل..

خوفي إني ما أبقاش "شاطر" ممكن يكون معوِّق.. ممكن يكون بيعطلني عن إني أحقق حاجات كتير.. ممكن أخاف إني أجرَّب حاجة جديدة تخلِّيني "أبان" إني مش قد كده.. ممكن يخلِّي السلحفاة توصل قبل الأرنب لأنها صدقت في أهمية إنها تبذل مجهود، وهو كان معتمد على شطارته..

مش دايمًا هاقدر أتحكم في نسبة ذكائي، لكن في إيدي دايمًا إني أجتهد.. أجتهد يعني أعمل خطوات حتى لو صغيرة لكن في الاتجاه الصح.. "إمكانياتي" أو "مواهبي" أو "شطارتي" أو "طبيعتي" كلها حاجات ممكن تعتمد علي الجينات والبيئة اللي اتربيت فيها.. جايز ما أقدرش أتحكم في الحاجات دي بالكامل.. لكن عندي اختيارات أقدر أعملها كل يوم..

بدأت الفترة الأخيرة أختار إني لما أمتدح حد من العيلة أو أصحابي أكون بأشاور على "الجهد" اللي اتعمل مش بس على "الشطارة" الطبيعية اللي في الشخص..

المجتهد اللي بيستخدم إمكانياته القليلة أو الكتيرة مش مفروض يخاف لو الناس "اكتشفت" إنه مش شاطر.. أصل الشطارة مش بس ذكاء لكن قرار مستمر ببذل مجهود في الاتجاه الصح.. ودي يمكن متعة الاجتهاد، إنه طول الوقت فيه فرصة إن الواحد يكون بيتحسِّن..

Saturday, August 15, 2015

من غير جمهور

حاجات كتير محتاجين نذاكرها عشان نقدر نشتغل، ومع اختلاف التخصص أو المهارة غالبًا بنحتاج "نتعلم" ازاي نعمل حاجات معينة.. عشان أبقى مهندس أو عشان أتعلم لغة تانية أو عشان أسوق عربية محتاج أذاكر أو أمتحن أو على الأقل حد يوريني أعمل كده إزاي..

لكن غريبة شوية إن ماحدش بيعلمنا نحلم إزاي.. مافيش منهج أو دراسة أو كتيب إرشادي يقوللنا إمتى حلمي يكون حلم بجد وإمتى يكون كابوس أو يكون مجرد هدف أو حاجة عايز أعملها..

لو فيه حاجة واحدة أتمنى ماتكونش موجودة في أي حلم بأحلمه فأتمنى إن حلمي يكون متعلق بي أنا، مش حاشر معايا ناس تانية.. 

لو بصينا على جزء كبير من أحلامنا ممكن نفاجأ إن حد فينا عايز يكون مغني مشهور، أو حد عايز يكون شاعر الناس تردد شعره، ممثل محبوب، رسام تتعمله معارض والناس تحضر، أو عالم ياخد جايزة..

أزمة الأحلام دي هي في حاجة واحدة: الأحلام دي كلها محتاجة "ناس تانية"! عشان أكون مغني "مشهور" الموضوع بيخرج عن قصة إني أغني حلو وأتبسط لكن بيدخل في قصة تانية وهي إني أعجب الناس عشان أتعرف وأتشهر، وممكن يكون معنى ده إني أقدم أغاني "ليها جمهور" وأكون بأتمنى إن غيري يكون جمهوره أقل، إلى آخره.. وهنا الحلم اتحول ببساطة من رغبة عميقة جوايا إن نِفسي أكون بأعرف أعمل حاجة وأعرف أعملها حلو لإني يكون نفسي إن اللي أعمله يقولوا عليه حلو!

مش دايمًا فيه تعارض.. مننا كتير حلمهم يغنوا أو يرسموا أو يعزفوا أو يلعبوا رياضة حلو، ولما حلمهم بيتحقق بيلاقوا ناس مبسوطة بيهم، مايضرش..

لكن يمكن جه الوقت اللي أخلي بالي فيه إن حلمي يكون حلمي أنا! من غير جمهور ومن غير فنانين أو رياضيين أو مدرسين أو علماء غيري يكون مستواهم أقل عشان أحقق "حلمي" وأكون الأشهر أو الأشطر..

كمان جه الوقت إن تشجيعنا لاخواتنا وعيالنا والناس اللي عندها أحلام إنهم يصيغوا حلمهم ليهم هم.. حلم مايكونش معاه مقارنات وأرقام وترتيب ومراكز..

أحب إن حلمي يكون حلمي أنا.. أحلم إني أعرف أعزف حلو.. حلو ليَّ أنا.. أحلم إني أكمل أكتب كلمات ومزيكا أستمتع بيها.. أحلم إني أدرِّس كويس، تدريس يكون مشبع ليَّ.. قبل ما يكون مشبع للطلبة.. 

حتى لو نواحي كتيرة في حياتنا في العصر اللي بنعيشه دلوقت فيها تنافس وترتيب ومراكز وأرقام وأحسن وأوحش، على الأقل نسيب أحلامنا تفضل لينا.. يفضل حلمي ليَّ من غير مقارنات من غير أحسن وأشطر.. وأحلم من غير جمهور



Saturday, August 8, 2015

ذكريات أبيض وإسود

المجتمعات المختلفة بتمر بمراحل مهمة في تاريخها، ومن أهم المراحل دي مرحلة ابتكار نظام للكتابة.. أول ما المجتمع يبدأ يتفق على شكل الحروف وقواعد عامة للكتابة بيبدأ المجتمع يدخل في مرحلة جديدة، لأنه بيقدر وقتها يوثَّق تاريخه ويعبَّر عن أحلامه ويدوِّنها، ويقدر كمان ينقل رسايله لناس تانية بطرق أسهل شوية و"أدق" من التواصل الشفهي..

والظاهر إن رغبة الإنسان في "تثبيت" أو "تسجيل" الخبرات هي رغبة ملحة وفي الغالب هي الدافع ورا اختراعات وأفكار كتير زي الكاميرات وزي الكتابة على الجلود والحيطان وغيره.. بنحس إن عقلنا ممكن ما يسعفناش عشان نفتكر اللي حصل، لكن لو معانا صورة أو فيديو أو كتاب متسجِّل فيه التفاصيل ممكن نحس بالأمان أكتر..

وفي الزمن ده اللي فيه ممكن نصور ونسجِّل وندوِّن ونوثَّق كل حاجة بسهولة، بقى عندنا مشكلة في الحاجات اللي تفاصيلها بهتت، الحاجات اللي مش بوضوح الألوان.. وبقى الأبيض والإسود رمز للتأخر، رمز لعدم الوضوح..

لكن لما الموضوع يخص الذكريات لازم نفتكر إن فيه متعة خاصَّة في الذكريات الباهتة.. فيه ذكريات جزء كبير من جمالها هو إنها باهتة! حلاوتها في المجهود الذهني اللي بنبذله وإحنا بنحاول نفتكر تفاصيلها..

الخوف ساعات إن اعتمادنا على إننا "اتصوَّرنا" بيوهم عقلنا إنه "يريَّح" هو! مش محتاج يفتكر، أصل كلُّه "متسجِّل".. ونكاد نكون بنفقد المهارة الحلوة (المتعبة أحيانًا) اللي فيها بنحاول نفتكر ذكرياتنا.. نحاول "نلوِّن" صورنا الباهتة، و"نكمل" باقي القصة..

يا ترى هل هو ده اللي بيخلِّي تيتة وجدو والناس الكبيرة بيكرَّروا القصص كل ما يشوفونا؟ يا ترى هو ده اللي بيخليهم يحكوا نفس الأحداث بنفس تفاصيلها حتَّى وهم عارفين إنهم بيكرروها؟ يمكن يكونوا بيلوِّنوا قصصهم؟ "بيزهُّوا" عليها عشان ما ينسوش؟..

فيه جمال خاص في القعدات الأسرية وقعدات الأصحاب اللي فيها جمل زي "فاكر لما....؟" ويترد عليها "أيوة، ساعة ما..." وتكون المجموعة قاعدة تجمَّع خيوط الذكرى معتمدين على "خط" كل واحد بيحاول "يزهِّي" بيه صورة بهتت..


مش شرط نفتكر كل الذكريات.. حلو إن بعض الذكريات تفضل باهتة ونفضل حاسين بحلاوتها.. من غير ما نسجِّلها، ولا نثبِّتها، ولا نحتفظ بيها متلونة وزاهية وواضحة.. حلوة برضه الذكريات الأبيض والإسود..

Saturday, August 1, 2015

تفاحة وحشة ولا برميل بايظ؟

أغلبنا مصدَّق إن كل مكان فيه الكويس والوحش، وغالبًا مقتنعين إن الكويس في مكان معين أو سياق معين غالبًا بيقدر يكون كويس برضه لو المكان اتغيَّر أو الظروف العامة اختلفت.. بنشوف إن الناس زي التفاح فيه منه كويس وفيه تفاح بايظ، وإن ممكن التفاحة البايظة تفسد التفاح السليم، لكن ساعات بننسى نشوف "السياق" أو "الظرف العام" أو "الوسط" اللي فيه التفاح ده.. البرميل يعني..


المقارنة أو المفارقة دي اتكلم عنها كذا حد منهم فيليب زيمباردو عالم النفس المشهور وكان بيعلَّق على تجربة مشهورة في وسط علم النفس كان عملها سنة 1971.. في التجربة دي جاب طلبة جامعة متطوعين عشان يعملوا محاكاة "لسجن".. ومن بداية التجربة اتفق مع الطلبة دول على إن فيهم ناس هايكونوا مساجين وفيهم هايكونوا حُرَّاس بناء على قُرعة يعملوها.. الطلبة دول كانوا شبه بعض (يعني ماكانش فيهم حد وحش قوي أو كويس قوي.. كانوا ناس عاديين).. 

المهم، التجربة اللي كانت المفروض تستمر لمدة أسبوعين اضطروا إنهم يوقَّفوها بعد 6 أيَّام، والسبب كان إن "الحراس والمساجين" بدأوا "يعيشوا الدور" بجد لدرجة إن العنف اللفظي والإهانات النفسية كانوا زيادة على الرغم من معرفتهم إنها تجربة علمية وإن السجن مش سجن حقيقي..

التجربة دي اتعملت فيلم (المفروض إنه حاليًا بيُعرض في أمريكا)، وعالم النفس ده وهو بيعلَّق على التجربة قال إننا ساعات بننسى تأثير "الوسط" أو "السياق" أو "الدور" اللي الشخص بيلعبه.. بعض الأدوار ليها "متطلبات" حتى لو الشخص "كويس" أو "طيب" أو "حنين"..

على الرغم من اعتقادنا إن كل حتة فيها الوحش والكويس، إلا إن مرات كتير الأدوار اللي بتتطلب مننا أو المواقف اللي بنتحط فيها بتكون كفيلة إن يكون ليها تأثير أكبر.. تأثير أكبر من أخلاقنا وأكبر من اللي اتربينا عليه.. تأثير أقوى من اللي إحنا متخيلينه عن نفسنا.. أقوى بمراحل من استحساناتنا الشخصية أو توقعاتنا عن نفسنا..

يمكن ده اللي بيخلِّي الأب والأم يقولوا "عمرك ما هاتعرف غير لما تتجوِّز وتخلِّف"، ويمكن ده اللي بيخلي ناس كتير تحكي عن تكرارها لنفس الأنماط اللي كانوا بينتقدوها في والديهم، لأن دور الأبوة أو الأمومة "استلزم" بعض التصرفات..

الخوف كل الخوف إني أدخل مجال شغل وأنا فاكر إن إطار المهنة وسياقها مالهومش تأثير عليَّ.. أبقى فاكر إني هاكون نفس الشخص في "أي مكان".. هاكون التفاحة الكويسة..

التفاحة الكويسة مش بس محتاجة تفضل كويسة، ولا بس محتاجة ماتكونش على اختلاط بتفاح بايظ، لكن كمان محتاجة تتحط في البرميل المناسب.. ده مش معناه إن البرميل البايظ كل التفاح اللي فيه وحش، لكن مجهود رهيب بيبذله كل شخص موجود في إطار "مش مناسب ليه" علشان يتغلب على قوَّة وتأثير "الموقف" و"الدور"..  

زي ما بأحتاج إني أشتغل على نفسي عشان أكون أفضل، أنا محتاج إني أركِّز كويس على اختياراتي لمجالات شغلي والدواير اللي بأتعامل معاها باستمرار و"البراميل" اللي بأحتك بيها بصفة دورية.. لأن مش كفاية إن الواحد يكون تفاحة سليمة!