Saturday, December 30, 2017

مصدر الحياة

من أكتر الأمور الإنسانيَّة المُقلِقة والمؤرِّقة لأغلب الثقافات هو موضوع الموت، سواء في مفهومه أو غرضه، سواء في كونه نهاية أو بداية لحياة تانية، وكمان حتَّى في تعريفه الطبِّي وتمييزه عن باقي علامات الحياة، وعشان كده مناقشات كتير عن ’الإجهاض‘ أو عن ’القتل الرحيم‘ أو عن ’الإعدام‘ بتدُور حوالين مفهوم الحياة ومين يُعتَبَر ميِّت ’كده كده‘ ومين ’يستحق يعيش‘ وهكذا.

ولمَّا بنواجه إرهاب وقتل بنرجع نفكَّر في ’فجائيَّة‘ الموت، في فكرة إن واحد ماشي في حاله وفجأة يبقى مش موجود، ومنَّنا ناس بتشوف في الإرهابي اللي بيقتل أبرياء إنه مش أكتر من ’شخص ميِّت‘ بيحاول يُنشر الموت حواليه.

لكن غالبًا مسألة الحياة من عدمها مش أبيض وإسود كده، ناس كتير موجودة على مُتَّصَل أو مدى واسع ما بين الحياة والموت، ومش كل واحد بيتنفِّس عايش، ولا كل واحد طلعتله شهادة وفاة يبقى ’خلاص كده‘، وحتَّى مع اختلاف معتقداتنا الدينيَّة كتير مننا بيصدَّقوا إن فيه ناس حتَّى لو ’ماتت‘ بتفضل عايشة، بتفضل ’أحياء عند ربِّنا‘، ببساطة لأنَّهم بقوا أقرب ما يكون من مصدر الحياة نفسه!

بعضنا بيشوف إن الإرهابي اللي غرضه القتل هو بالفعل شخص ’ميِّت‘، حتَّى وهو لسَّة صاحي.. شخص قلبه مات، مشاعره ماتت، بِعِد كتير عن الحياة لدرجة إنَّ الحياة ’بتزعجه‘، اللي يريَّحه إنَّه ’يموِّت‘ و’يمُوت‘ هوَّ كمان!

الشجرة اللي عايشة بجد هي الشجرة اللي زي ما التعبير القديم المشهور بيقول ’مغروسة عند مصدر مياة‘، الشجرة دي عندها قُرب مستمر من مصدر الحياة، قُرب يضمنلها حياة ’أكتر وأكتر‘ طول ما هيَّ مغروسة هناك، طول ما بتاخذ حياة من مصدر حياة.


موت الجسم اللي فيه القلب بيُقف أو المخ بيقف أو أيًّا كان التعريف الطبِّي ليه هو مُجرَّد توقُّف عن الصورة الحالية لحياتنا، لكن حياة الروح هيَّ اللي محتاجة استثمار، واستثمار يومي، وزي ما القاتل مش بيموت ’في يوم وليلة‘، أخاف أكون في تعاملاتي اليوميَّة بأبعد عن الحياة، الحياة اللي بجد.

أتمنَّى في السنة الجديدة إنِّي أعيش ’أكتر‘، بمعنى إن حياتي تبقى مليانة ’بالحياة‘، إن ما يكونش نُصَّها ’موت‘ و’ضلمة‘، لكن تكون كلها زي الشجرة اللي لازقة في مصدر الحياة.

Sunday, December 24, 2017

كريسماس جميل، إلخ!

بأحب أحضر احتفالات الكريسماس وبأتبسط بالمزيكا والأغاني القديمة المشهورة، وفي احتفال حضرته الأسبوع اللي فات اتوزَّع على الحاضرين كلمات الأغاني دي مكتوبة، وفي آخر صفحة مكتوب ’’شكرًا على حضوركم‘‘ وتحتها بين قوسين ’’(اكتب هنا رسالة تتمنَّى للحاضرين كريسماس جميل، إلخ)‘‘.. غلطة عاديَّة بتحصل، المسؤول عن الطباعة طبع الورق زي ما هوَّ من غير ما يكتب رسالة في آخر صفحة تتمنَّى للحاضرين كريسماس جميل، و’إلخ‘!


لما بتجيلنا رسايل على فيسبوك مثلًا في أعياد ميلادنا، مرَّات كتير بنحب إن الرسايل تكون شخصيَّة، وأنا بأقدَّر فكرة إن ناس كتير بتُستَفز لما حد يبعتلها ’HBD‘ أو ’كل سنة وإنت طيب‘ أو أي رسالة شكلها ’مُعلَّب‘، رسالة غالبًا فيسبوك هو اللي مقترحها! ويمكن ده بيخلِّي ناس كتير تشيل تاريخ الميلاد من فيسبوك، عشان لو أصحابهم القريِّبين افتكروا لوحدهم يبقى أحسن من إن كل الناس يجيلهم notification من فيسبوك فيبعتوا رسالة من الرسايل المُعلَّبة دي (للأسف طبعًا ساعات بينسوا يشيلوا تاريخ ميلادهم من LinkedIn فبيحصل نفس التدفُّق من الرسايل العامَّة!)

والبعض مننا عشان يخلِّي الرسالة شخصيَّة ممكن يبعت صور موجود هوَّ فيها مع صاحب عيد الميلاد، أو يكتب رسالة فيها حاجة معيَّنة لصاحب عيد ميلاد تبعد ’شُبهة‘ العموميَّة أو فكرة ’إلخ‘ دي بإنَّه يقولَّه ’كل سنة وإنت طيب، فين الصور يا عم؟‘ أو ’عقبال مليون سنة، هأشوفك يوم التلات‘، أو أي حاجة من هذا القبيل، عشان يوصَّل إحساس إن الرسالة مبعوتة مخصوص.

الكريسماس بالذات ما ينفعش يبقى ’مُعلَّب‘ أو عمومي ووسط الزحمة والزيطة، وبالرغم من إن الكريسماس للكل، وبيحتفل بيه الملايين، لكنَّه حدث شخصي جدًّا.. وعلى الرغم من ميل ناس كتير إنها تحتفل بالكريسماس مع العيلة أو مع الأصحاب، وإحساسهم إن اللي بيقضي الكريسماس لوحده أكيد تعيس، إلَّا إن يمكن أساس احتفال الكريسماس لازم يكون شخصي جدًّا..

الكريسماس شخصي لأن ولادة المسيح حصلت في حدث معيَّن محدَّد.. طفل اتولد لعيلة معيَّنة في بلد معيَّنة، والرجاء والمحبَّة والسلام اللي جه بيهم الحدث ده كانوا لكلِّ الناس أيوة، لكن لكلِّ الناس ’واحد واحد‘.. لكل واحد يستمتع بالرجاء والمحبَّة والسلام بينه أوَّلًا وبين الله.

ولادة المسيح ماكانتش مُجرَّد وصول واحد مشهور بيحيِّي ’جماهيره‘ وبيقولهم قد إيه ’بيحبُّهم كلهم‘.. لأن في الغالب الممثِّل أو الفنَّان أو الشخص المشهور اللي بيحب ’جمهوره كلهم‘ هو بيحب ’عددهم‘ لكن ما يعرفهمش واحد واحد..

في الكريسماس أنا عندي فرصة إنِّي أفرح، مش بس وسط الزيطة واللمَّة والصُحبة، لكن كمان أفرح بميلاد المسيح، الحدث الشخصي جدًّا ليَّ..

(اختم بقى البوست بإنَّك تتمنَّى لكل قارئ كريسماس جميل، إلخ)!

Saturday, March 18, 2017

حظنا الهباب


مع الاعتذار لعدم لُطف التعبير، لكن من الملاحظ إن تعبير ’جاتنا نيلة في حظِّنا الهباب‘ مش بيُستخدم لما بنفتكر حاجة وحشة في حياتنا أو بنشوف قُبح أو مشاكل أو فقر أو جهل، لكن بنقوله غالبًا لما بنشوف جَمال أو تقدُّم أو نجاح في مكان تاني! فبنلاقي مثلًا كتير من أصحابنا بيشاركوا بصور على فيسبوك أو تويتر لأماكن رائعة أو اختراعات بتسهل حياة البشر أو حتَّى ناس شكلهم حِلو، وبيكون مع المشاركات دي التعبير الغريب ’جاتنا نيلة في حظنا الهباب‘!

وزي ما يكون بقى عندنا مُستقبِلات للجَمال والحلاوة، والمُستقبِلات دي شغالة وكل حاجة، لكن شغَّالة بالعكس: فلما أشوف حاجة حلوة، أفتكر الوِحِش اللي أنا فيه، ولما أتفرَّج على صور قديمة جميلة، أقريِف بسبب حالتي الحالية، ولما أسمع عن دُوَل تانية متقدمة أو أصحاب ناجحين أو حتَّى لما أشوف لوحات جميلة أو حيوانات لطيفة، يروح تركيزي على القُبح اللي أنا فيه أو عجزي عن النجاح في مجال معين، أو غياب الجمال في المكان اللي أنا فيه..

بعضنا حتَّى بيضيع جزء من أجازته في إنه يتحسَّر على إنه لازم يرجع العاصمة ويرجع للمباني العالية والتراب وغياب الخضرة الموجودة في مكان الأجازة..

الحلاوة الموجودة في كل حتَّة بتغيب قيمتها، وبتبهت لو كانت متوفِّرة على طول.. والخوف هو إنِّي أبطَّل أشوف الجَمال (حتَّى لو مؤقَّت)، لأنِّي كل مرة بأشوف جَمال بأتنكِّد وأتحسَّر وأفتكر القُبح.. الجَمال اللي بأشوفه وبيفكَّرني ’بحظِّي الهباب‘ هايجيله وقت ويبطَّل حتَّى يتشاف على إنّه جمال.. وممكن أوصل لمرحلة إن كل مرَّة آكل أكلة حلوة أنسى أستمتع بيها لأنِّي بأفتكر باقي الأكل ’الأي كلام‘ اللي باكله باقي الوقت..

لمحات الجمال القليلة اللي بنشوفها على مسافات متباعدة هي اللي ممكن تنعش أرواحنا وتنشَّط فينا الثقة في إن الجمال موجود لو شفناه، ولو حسِّينا بقيمته بدل ما نقارنه بباقي القُبح اللي عندنا..

لما بأشوف أصحابي لوقت قصير بعد سفر لوقت طويل، عندي اختيار إنِّي أفضل طول القعدة ’زعلان‘ إننا مش بنتقابل كتير، أو اختيار إني أتبسط بكل دقيقة قاعدين فيها مع بعض، و’أشحن‘ فيها شوية استمتاع أقدر أفتكره حتَّى بعد ما أمشي..

استقبالي للجمال الموجود في صور أو مواقف أو ناس أو بلاد تانية ممكن يبدأ يبهت لو في كل مرة بأشوف حاجة جميلة بأفتكر ’حظنا الهباب‘!

Sunday, March 12, 2017

استفدت أنا إيه دلوقت؟

يافطة كبيرة مكتوب عليها ’لو عندك القدرة إنك تحلم بحاجة، يبقى لازم تحقَّقها‘، وعلى الرغم من إن اليافطة دي غالبًا الغرض منها نبيل بحيث إن كل واحد عنده حلم يكون بيسعى باجتهاد إنه يحقَّقه، إلا إن مشكلتها كبيرة..

مشكلتها إنها بتحصر قيمة الحلم في مرحلة تحقيقه.. على أساس إن ’إيه فايدة الحلم لو مش هايتحقَّق‘، والتخوُّف اللي ورا الفكرة دي هو إن ممكن ناس كتير تسيب أحلامها أو تبطَّل تستثمر في أحلام معيَّنة أو تبطَّل يكون عندها أحلام خالص لو الأحلام دي مش ممكن تتحقَّق لأي سبب..

أغلبنا لو عنده حلم شاغله ليل ونهار بيكون بيفكَّر في طرق لتنفيذ الحلم.. وظيفة معيَّنة، أو فكرة مشروع، أو أغنية جديدة أو حاجة يشتريها أو مكان يروحه.. ومع ذلك، أغلبنا برضه عارف إن بعد تحقيق الحلم، بيبدأ يبهت، وبيبدأ يبقى ’أمر واقع‘، ’حاجة عادية‘ حتى لو باين للناس التانيين إنه حاجة رهيبة.. ماما كانت كتير بتشير للجملة اللي بتقول ’للأحلام بريق، ينطفئ عند تحقيقها!‘

دي مش دعوة لعدم تحقيق الأحلام! لكنها دعوة لإعادة النظر في قيمة الحلم.. أي حلم.. كل حلم بأحلم بيه بيشكِّل جزء فيَّ، وكل مرَّة بأنسج في خيالي مشاهد من جمل زي ’يا سلام لو.. ‘ أنا بأستخدم قدرة عقليَّة مميَّزة، والقدرة دي في حد ذاتها ليها قيمة.. لو قرَّرت إني أستغنى عنها (لسبب استحالة تحقيق الحلم مثلًا)، أكون كأنِّي بأستغنى عن الرسومات والمزيكا والأعمال الفنِّيَّة والأحلام الحرفيَّة (وقت النوم) وكل حاجة يبان إنه ما فيش ليها ’فايدة‘..

مش حلو إننا نخاف من الأحلام.. ومش حلو إنِّنا لما نسخر من فكرة، تكون سخريتنا في صياغة ’إنت بتحلم يا عم!‘ كما لو إنه غلط! الحلم حاجة، وتحقيقه حاجة، والاتنين حلوين.. والخوف إني أمنع الأحلام اللي مش باينلها إنها هاتتحقَّق..

كل حلم هايتحقق أو مش هايتحقق هو في حد ذاته نعمة.. جمال.. قُدرة أتمنى تفضل موجودة عندي.. أفضل أقدَر أحلم، وأفضل أقدَّر الأحلام، كل الأحلام.. حتى اللي مش ناوية تتحقَّق!