Wednesday, December 23, 2015

فلاشباك كريسماس

لما بنقرا رواية بوليسية أو فيلم فيه جريمة وبيحاولوا طول الفيلم يعرفوا مين القاتل غالبًا لو الرواية أو الفيلم معمولين كويس مش بنعرف نكتشف الجاني غير في الآخر، لما الكاتب يقرر إن الخيوط كلها تتكشف.. في حين لو بنقرا نفس الرواية تاني أو بنشوف الفيلم مرة كمان بنحس إنه "كان باين قوي إنه هو المجرم".. بيبقى عندنا حاجة بيسموها في الأبحاث الـ hindsight bias أو التحيز بأثر رجعي ودي ظاهرة كتير مننا بيتعرضلها من غير ما ناخد بالنا، فتلاقينا لما نسمع كلام عن حد نقول "أنا طول عمري مش بأرتاحله" ونبدأ نفتكر بعض المواقف اللي بتثبت إننا "كنا حاسين" وإن "الموضوع كان واضح قوي"..

لما كنت بأقرا روايات أجاثا كريستي، وبعد ما قريت كذا رواية قررت كده إني "أركز" لما أقرا الرواية الجديدة.. وأحاول أعرف أنا بنفسي مين المجرم.. وكل واحد تيجي سيرته في الصفحات الأولى من القصة أشك فيه لأني عارف إنه هايطلع واحد مش متوقع.. بس طبعًا الموضوع كان بيبقى محبط، وكنت مرات بأشك في القتيل نفسه إنه هو كمان القاتل! (بس عمري ما شكيت في ’أجاثا‘)

في السياسة الموضوع ده رهيب! بنشوف أحداث حصلت قبل كده ولسان حالنا "إزاي ما حدش أخد باله؟ دي واضحة زي الشمس!".. طبعًا وضوحها اللي زي الشمس ده ما بقاش بالوضوح ده غير لما الصورة كلها اكتملت.. لما بقينا في الحاضر وبصينا على الماضي حتة واحدة..

وإحنا بنحتفل بالكريسماس، بنحتفل بالقصة كاملة.. قصة شكلها مظبوط ومترتب ومتنظم.. "باين جدًا" دور كل شخص في القصة.. وتكاد القصة تفقد كل معناها بسبب الفلاشباك ده اللي بيخلي كل حاجة منطقية في الإطار الكبير للأحداث.. مع إن أبطال القصة ما كانوش كلهم عارفين أبعاد القصة بشكل كامل.. كل حد فيهم اختار اختيار صغير أو كبير لكنه صح.. اختار اختيار صح (لما القصة اكتملت) لكنه اختيار صعب لو مش عارف القصة.. لو بتعيش القصة في الحاضر.. لو ما عندكش كتب التاريخ تعرف إيه "اللي هايحصل" بعد اختيارك..



بنت مش متجوزة يجيلها ملاك يقولها هاتبقي حامل.. خطيبها يعرف إنها حامل لكن يصدق إنها شريفة.. ما يلاقوش مكان عشان تولد فيه لكن حد يستضيفهم في حظيرة للحيوانات.. هو فيه إيه؟! تحس إن كل حاجة غريبة.. فيه حاجة غلط.. إزاي القصة دي تخلص على حاجة كويسة؟ إزاي قِدر كل واحد من الشخصيات دي إنه يختار يعمل حاجة صح في حين إن القصة مش باينلها نهاية عِدلة؟!

جايز الشجرة اللي بنزيِّنها تكون منظمة ولطيفة، وممكن مشهد الكريسماس اللي بنحط فيه قش وملايكة وحيوانات بلاستيك صغيرة يكون شكله حلو وجميل.. وفي الغالب بننسى ريحة الأسطبل وبهدلة السفر والقلق إن ما فيش مكان للولادة والخوف من فضيحة لو الناس ما صدقتش، والرعب على الطفل المولود..

قصتنا الحالية المكتملة قصة ’نضيفة‘ حلوة مرتبة مليانة مزيكا وفرح وشياكة.. قصة شكلها منطقي.. فاكرين إننا لو مكان كل بطل من أبطال القصة هانختار نفس الاختيار الصح..

قصة الكريسماس هي قصة كل تفاصيلها ملخبطة، لكن على بعض هي قصة ضعف وخوف وفقر وقلة حيلة انتهت بميلاد السيد المسيح.. انتهت برجاء عظيم، وتغيير للبشرية كلها..

أتمنى ما أضيعش فرص مشاركتي في قصص لسة ما خلصتش.. قصص مش باينلها لو نهايتها خير ولا لأ.. أتمنى لو كان الدور اللي هألعبه مؤثر إن تكون عندي البصيرة إني ألقطه واقوم بيه.. وتفضل قصة الكريسماس حدث يومي في حياتي العادية..   

Tuesday, December 22, 2015

معلش إحنا عايزين السلطانية

من يومين حصل موقف مُحرج في حفل تتويج ملكة جمال العالم.. ’’ستيف هارفي‘‘ اللي كان بيقدم الحفل وبيعلن أسماء الوصيفات والملكة غلط وأعلن فوز الوصيفة الأولى (اللي هي المفروض تكون المركز التاني) باعتبارها الفايزة بلقب ملكة جمال 2015 (المركز الأول).. وبعد طبعًا ما أعلن فوزها، جابولها الورد ولبسوها التاج باعتبارها ملكة جمال 2015.. لما أخد باله إنه غلط اعتذر طبعًا، لكن المسرح فضل حوالي دقيقة ما حدش عارف يتصرف إزاي.. المفروض ياخدوا التاج من ’’الملكة‘‘ اللي هي مش ملكة، ويلبسوه للفايزة الحقيقية اللي كانت واقفة على جنب باعتبارها أخدت المركز التاني.. مشهد كده أشبه بمسعود في المتزوجون لما كان بيقول للمعلم طربقها الجزار ’’معلش إحنا عايزين السلطانية‘‘..

نختلف أو نتفق مع المسابقة نفسها أو مع المعايير اللي بيختاروا على أساسها ملكة الجمال، لكن الموقف صعب! جزء من صعوبته هو في إن ملكة الجمال بتكون ملكة جمال بناءً على إعلان اللجنة فوزها.. الموضوع مش بس متعلق بالجمال، على اعتبار إن في المرحلة دي كل المتسابقات جميلات بمعايير المسابقة.. الوصيفة الأولى مش ’’وحشة‘‘ لكنها مش الملكة..

ومع كل الإحراج اللي اتعرض ليه اللي كان بيعلن الفايزين، ومع كل الإحراج اللي اتعرضت ليه الوصيفة الأولى اللي استمتعت طبعًا بلقب ملكة جمال العالم 2015 لمدة 45 ثانية وبالتاج وبكل ده، كان فيه ردود أفعال كتير من ناس بتتريق على الموقف، وناس بتعلق على مدى التعامل الحكيم للبنتين اللي فازوا، أو على فكرة إن كلنا بنغلط، وكفاية إن الراجل اعتذر..

كلنا جالنا وقت ’’توجنا‘‘ فيه الملك الغلط.. أعلنَّا إن فلان هو الملك، هو نمرة واحد، هو البطل.. هو اللي ليه الأولوية.. ممكن أكون ’’توِّجت‘‘ شغلي أو فلوسي.. ممكن تكون توجت مراتك أو ابنك أو جوزِك.. ومش معنى كده إن الباقيين وحشين، لكنهم مش نمرة واحد.. ما فيش تاج على راسهم.. مش هم مركز الاهتمام الأساسي..

يمكن يكون جزء من النضج هو إني أراجع نمرة واحد عندي.. أراجع كده لو أنا غلطت وجايز غصب عني أو في جهل مني بقالي وقت حاطط تاج المُلك على الشخص الغلط أو الحاجة الغلط.. يمكن الملك الحقيقي واقف على جنب.. منتظر.. يمكن راضي بالمركز التاني.. مع إنه يستاهل التاج وبؤرة الضوء..


حاجات كتير ما بتحصلش لوحدها، ومحتاجة حد ’’يعلن‘‘ اسم الفايز.. وإعلانه في حد ذاته كفيل بتتويج الملك أو الملكة (سواء عن استحقاق أو لأ).. المُلك مش بس قائم على عناصر ومواصفات فيها استحقاق في حد ذاتها، لكنه بالأساس ’’تصريح‘‘ إن فلان هو الملك..

مراتي مش هاتكون الملكة بالنسبالي غير لو فيه إعلان واضح مني بده، مش شرط عن طريق تاج دهب لكنه قرار واعي إنها تكون هي الأساس.. ربنا مش هايكون الملك في حياتي إلا لو أنا قررت إن التاج من حقه.. شغلي وبيتي ونجاحي الشخصي وعلاقتي بالخالق وأصحابي وبلدي وحاجات تاني كتير بتتنافس على تاج المُلك.. والاختيار اختياري مين فيهم يكون الملك فعلًا.