Saturday, December 29, 2012

سنة حلوة

آخر كام يوم من كل سنة بيبقوا عادة مليانين بتهاني وأمنيات سعيدة وأحلام حلوة للسنة اللي جاية.. ناس كتير بتعيّد على بعض سواء بمناسبة الكريسماس (على الرغم من فتاوى بتحريم تقديم التهاني للمسيحيين) أو بالكريسماس والسنة الجديدة..

وبنبتدي السنة الجديدة وإحنا متحمسين إن "السنادي مختلفة".. " 2013 شكلها سنة كويسة".. "لأ.. إن شاء الله تبقى سنة غير 2012 خالص".. ويادوب كام أسبوع يعدوا ونبدأ نعد فاضل كام شهر على ما السنة تخلص.. كما لو إن السنة يا تبقى حلوة من بابها يا إما يفتح الله.. الشهر يبان من بدايته وإلا يبقى شهر "فقري"..
 
معظمنا بيشوف في جملة "سنة حلوة" نبوءة طيبة وكلمات رقيقة بتتمنى سنة جديدة جميلة.. لكن النهاردة وإحنا على أعتاب (حلوة أعتاب دي) سنة جديدة أنا حابب أتمنى لكل أصحابي وأسرتي (وعشيرتي) ولكل الناس سنة حلوة فاتت.. أيوة أقصد 2012..

تحدي صعب إني أشوف في اللي فات حاجة حلوة.. سهل قوي إني أتمنى "حاجات كويسة" تحصل "وأحلام تتحقق" في الوقت اللي جاي.. لكن ساعات بيبقى صعب إني أعرف يعني إيه حاجات كويسة خصوصا لو مش متعود إني أشوف جمال أو حلاوة أو خير في الحاجات اللي حصلت قبل كده..

لو رجعنا للتويتات والكتابات للكام سنة اللي فاتوا يمكن نلاحظ جُمل معظمها بيتحرك ناحية "إلَهِي مايِرجِعها سنة" أو "هُم كام آخر شهر لازم يكونوا منيّلين" أو "خلاص بقى.. السنة دي مش عايزة تمشي ليه؟" وغيرها من تعبيرات كلنا عارفين إنها مجازية وإن السنة الحالية مش هاتغير أي خططها ولا هتلم الرحال بدري بدري مهما حاول الناس إقناعها..
 
تمنياتي لكل أصحابي ولكل حد بيقرا الكلام ده إننا نبتدي نبص لورا شوية وليكن 2012 ونشوف شوية حاجات ممكن نسميها حاجات كويسة أو إيجابية أو حلوة حصلت.. إذا مش لاقي أي حاجة حلوة حصلت فمش متهيألي إن فيه أي "سحر" مختلف في تغيير رقم السنة.. مافيش أي زرار جديد بيدّاس عليه والنتيجة تقلب وحظك بقى ممكن يوقّعك في سنة زي الفل أو سنة طين..

لو عارف أشوف حلاوة وجمال في اللي فات يمكن أقدر أشوف الحلاوة والجمال لما أتمناهم ويحصلوا في السنة الجديدة..
خلال اليومين اللي جايين قبل بداية 2013 أقدر أراجع وأقيّم الاتناشر شهر اللي فاتوا وأشوف بركات وخير ونِعم كتير في حياتي وحياة الناس اللي باحبهم..

كشعب إحنا كبرنا السنة اللي فاتت.. فهمنا كتير واتعلمنا حاجات كتير.. على المستوى السياسي عرفنا مين مع البلد ومين عايز البلد لحسابه.. اكتشفنا كتير من مشاكلنا وبعض طرق العلاج.. يمكن لسّة ما وصلناش لأفضل الأوضاع لكن جربنا الأوضاع المهببة اللي تخلينا مانجربهاش تاني في بلدنا.. ودي إنجازات مش قليلة..

وعلى المستوى الشخصي مننا ناس صقلوا مواهبهم.. كبروا في شغلهم.. كتبوا أو ألفوا أو رسموا أو صمموا أعمال جديدة ليهم.. سافروا أو كونوا صداقات جديدة أو ارتبطوا.. مننا ناس قروا كتب أو درسوا دراسات جديدة أو خلصوا مراحل مهمة في حياتهم.. أو خلّفوا أو ابتدوا مجالات جديدة..

قبل ماتخلص 2012 يمكن جه الوقت اللي فيه مش بس أبص على الحاجات الوحشة والإخفاقات والفشل اللي فات علشان أتعلم منه.. لكن كمان وبالأولى أحتفل بكل إنجاز ومتعة وتقدم وخطوة مهما كانت صغيرة لكن لقدام.. استيعابي للحاجات الحلوة اللي حصلت هو اللي ممكن يزقني لقدام وممكن يأكّدلي إن ممكن السنة الجاية "كمان" تكون سنة حلوة..

Saturday, December 22, 2012

على الأرض السلام


زي اليومين دول من 98 سنة كانت الحرب العالمية الأولى بدأت (أكيد طبعا وقتها ماكانش اسمها الحرب العالمية "الأولى" لكن في التاريخ اتسمّت الحرب العظيمة أو الحرب التي ستنهي كل الحروب).. المهم إن مع كل الألم والموت والجرحى اللي كانت مصاحبة للحرب دي إلا إن كتب التاريخ بتتكلم عن حادثة غريبة جدا في الوقت ده.. والحدث ده بيسمّوه في التاريخ "هدنة الكريسماس" أو Christmas Truce.. الفترة دي كانت غريبة لأن وسط الحرب ووسط العداوة الشديدة بين الألمان والإنجليز كان الجنود الألمان والإنجليز بيلعبوا كورة مع بعض في المنطقة اللي بيسموها في الحروب الـ No-man Land اللي هي أرض مش بتاعة حد من الطرفين لسة لكنها أرض المفروض إن كل طرف بيحاول الحفاظ عليها وإلا العدو هايتوغل زيادة... كانوا بيسلّموا على بعض ويلعبوا ضد بعض ماتشات كورة..

كورة؟ في الحرب؟ وبين أعداء؟ غريبة جدا.. لكن حدث زي ده إذا دل على حاجة فهو بيدُل على الميل الفطري عند البني آدم للسلام.. محاولة إن يبقى فيه "تلكيكة" عشان نسلّم على بعض ونتكلّم ونتنافس في لعبة جميلة.. رغم إننا عارفين إن "المفروض" إننا مش طايقين بعض..

في مجال العلاقات الدولية فيه نظريات كتير بتشوف الدول والمؤسسات والأفراد والهيئات بيتعاملوا مع بعض إزاي.. وعشان النظرية تكون مقنعة, أصحابها بيشرحوا هم شايفين الطبيعة البشرية إزاي وكمان متوقعين مستقبل العالم والتعاملات مابين الدول والأفراد يكون رايح على فين.. حادثة زي دي بتلخبط أصحاب نظرية الـRealism لأنهم ببساطة بيقولوا إن الطبيعة البشرية بتميل لمحاولة السيطرة والوصول للسلطة وإن الخوف بيتحكم في حاجات كتير.. وده طبعا بيفسّر حروب كتير واستبداد السلطة وتدخلات الجيوش على مستوى العالم.. لكن بيقفوا محتارين قُدام حدث زي اللي حصل في الحرب العالمية الأولى ده وقت الكريسماس..


من أكتر من أسبوع معظمنا سمع عن الحادثة اللي حصلت في أمريكا واللي أدت لوفاة أطفال ومدرسين نتيجة لهجوم مسلّح على أحد المدارس.. كمان سمعنا عن مُدرسة من المدرسات اسمها Victoria Soto اللي حرفياً دفعت حياتها تمن حماية الأطفال اللي عندها في الفصل لما دخل عليها اللي معاه سلاح فقالتله إن الطلبة بتوعها في الجيم برة الفصل.. طخّها وماتت لكن كانت خبت الطلبة بتوعها في دواليب وأماكن مستخبية جوة الفصل..


أحداث زي دي مش بتقول غير حاجة واحدة.. إن الخير موجود.. ومش بس موجود ده موجود "بفجاجة" (إذا جاز نقول كده) في سياق يكاد يكون أبعد مايكون عن وجود أي خير أو حتى سيرته..

وسط حرب أو وسط هجوم مسلّح ونلاقي نور.. نلاقي شوية أمل.. نلاقي حتّة خير بتشع بمنتهى الوضوح عشان تقول إن الأصل في الإنسان الخير.. الطبيعي والمنطقي والأصيل جوة البني آدم هو الجمال والحب والتعاون والمشاركة والتضحية..

إذا كان العالم الأيام دي بمختلف مذاهبه ومعتقداته بيحتفل بميلاد السيد المسيح فالاحتفال مش مجرد احتفال بشجرة وأغاني وزينة وهدايا.. الاحتفال برسالة حب وعطاء وتضحية من السما.. باختلاف معتقداتنا الدينية معظمنا بيُجمع إن المسيح هو رسالة سلام للعالم.. كلمة من الله سبحانه بتشاور على ود وحب وتضحية..

وسط الألم والوجع الرهيب اللي بلادنا والعالم بيعيشه لسه الأمل ماماتش.. لسة الحب ما استقالش.. لسّة الخير بيتلكك إنه يُحشر نفسه في أي مجال متاح.. لسّة فيه شباك جَمال وباب محبة مفتوحين بيبُصوا على إمكانية كبيرة لتعايش وسلام وتعاون.. 

عندنا اختيار إننا نشوف على الأرض حروب وصراعات واستبداد وفساد.. ناس بتموت وناس بتجوع وناس بتتعذب وتتظلم..  لكن لسّة كمان عندنا فرصة نشوف خير وجمال وحب وتضحية وتعاون وطفولة ومستقبل حلو.. ونشوف على الأرض السلام..

Sunday, December 16, 2012

القاموس والتوكتوك

من أطرف قضايا المحاكم كانت قضية رفعتها ماكدونالدز على مجموعة فنادق اسمها Quality Inns  سمت سلسلة من فنادقها McSleep .. ماكدونالدز قالوا في القضية إن مقطع ماك  Mc خاص بماكدونالدز وإن شركة الفنادق دي بتحاول تستغل شهرة ماكدونالدز في الترويج لفنادقها.. ماكدونالدز كمان قالوا إن المستهلك عارف إن بقى فيه حاجة اسمها McLanguage أو لغة ماك وفيها كلمات زي ماك فرايز وماك تشيكن وMcFish  و McShakes وإن المقطع ده (ماك) هو جزء من الشركة وصورتها قُدام المستهلك..

المهم إن شركة Quality Inns  اللي كانوا هايعملوا سلسلة McSleep جابوا محامين وقالوا في حيثياتهم إنهم بيستخدموا مقطع Mc لأنه مقطع مشهور لأسماء اسكتلندية ولأن الاسكتلنديين مشهورين بإنهم موفّرين ومش بيصرفوا مصاريف كتير وإن سلسلة الفنادق دي هاتستخدم الصورة الذهنية دي عشان توضح للمستهلك إن أسعارهم معقولة..

عشان يثبتوا إن كلمة ماك مش بس بتاعة ماكدونالدز راحوا استعانوا بخبير لُغوي اسمه Roger Shuy والراجل ده استعان بقواميس بتبين إن مقطع Mc دلالته هي "أساسي وموائم ومش غالي وقياسي"..

راحت ماكدونالز ماسكتتش.. بدل مايستعينوا ببتاع لغة راحوا عملوا بحث يشوفوا المستهلك العادي بيفهم إيه من مقطع ماك.. وطبعا نتيجة البحث كانت إن المستهلك العادي ربط مقطع ماك بماكدونالدز..

الطريف في القضية دي إن المحكمة حكمت لصالح ماكدونالدز وأخدت بكلام البحث العملي مش كلام القواميس.. لأن هو ده اللي الناس العادية هاتفهمه..

وإحنا النهاردة بنعيش عصور عظيمة من عصور "النهضة" و"الديمقراطية" و"حرية المعارضة" و"استفتاءات" و"انتخابات نزيهة" و"دستور توافقي".. هل عايشين الكلام ده بجد؟ ولّا بنقدم للكلمات دي نماذج جديدة من تفسيرات هي العكس بالظبط؟

هل الكلمات دي "اتعلم عليها" خلاص إنها باظت وحمضت وبقت مثار للسخرية والتريقة وهز الراس ومصمصة الشفايف؟

هل لسّة عندنا فرصة إنه نحتفظ بالمعاني الأصلية للمفاهيم دي؟ ولّا وصلنا لمرحلة إن الكلام ده بقى يضحّك؟

خسارة إن كلام من كام سنة كان معناه "تقدم" و"تنوع" و"رأي آخر" و"اختيارات" يبقى النهاردة معناه ناس بتموت وتزوير وتزييف إرادة.. تسلّط ودكتاتورية.. غباوة وتحكّم رأي وتجبّر..

الحكم في النهاية مش على الكلام ومعناه في القاموس.. النهاردة ماحدش عبيط .. هاتلي ألف قاموس يكلمني عن "النهضة" وأنا ممكن أجيبلك ألف ميّت ومُصاب ومُحبَط ومُهاجِر وفاقد أمل.. هاتلي ألف شرح على قد إيه النهضة حلوة.. وانا ممكن أجيبلك آلاف الدلايل إن لسة فيه قطارات بتتحرق وناس بتموت ومستشفيات مش شغالة ومدارس بتحرّض على الفتنة واستفتاءات أقرب للهزار. 

شيل النهضة من القاموس.. ووريهالي في الشوارع والمدارس والمستشفيات والهيئات والوزارات والقطر والأكل والمترو والمايكروباص.. والتوكتوك يا سيدي..

Saturday, December 8, 2012

افهم يا حمار

مقولة "القشّة التي قصمت ظهر البعير" مقولة شهيرة وموجودة في لغات تانية كمان.. في الإنجليزي التعبير هو "The last straw" بمعنى آخر قشّة.. ومفهوم إن أي جَمَل أو حمار شايل على ضهره حمل كبير بيوصل عند نقطة معينة ومايقدرش يشيل لما الحمولة تزيد عن وزن معين.. لكن طبعا صعب إنك تقول لحمار "خد بالك وافهم يا حمار لأن ضهرك هايتكسر قريب"..

سياسيا مش كل القادة والرؤساء فاهمين الجزئية دي.. بيتعاملوا مع آخر قشة على إنها قشة زي باقي القش التاني.. مجرد قشة.. إيه يعني حتة قطر يولع أو ناس تموت.. ماهي حصلت قبل كده والناس نسيت.. إيه يعني متظاهرين يموتوا أو يتعذبوا أو يتخطفوا.. الناس اتعودت.. يحصل إيه يعني لما أنابيب البوتاجاز ماتبقاش متاحة أو الكهربا تقطع باستمرار أو مايبقاش فيه مستشفيات مؤهلة؟ عادي.. كل ده قش شيلناه قبل كده.. كل دي تفاصيل صغيرة مافيش عليها قصة كبيرة.. مش مفروض نعمل عليها ضجة يعني.. دول شوية مندسين وأجندات خارجية بيروحوا وييجوا.. عادي.. قش شفناه قبل كده وشيلناه ونقلناه واستحملنا.. إيه المشكلة؟

المشكلة إن القادة والرؤساء وبعض السياسيين بيشوفوا في كل قشّة لوحدها قشة واحدة.. حتة قشة بسيطة وهتتشال ونعدي.. وناسيين إن تراكم أحداث تبان بسيطة أو ينفع تعدي بيخلي كل قشة تساوي وزنها زائد وزن كل القش اللي متشال قبلها..

فكرة إنها تيجي على أهون سبب وإن ناس ممكن تتطلق على "حاجة تافهة" وإن حمار ممكن ضهره يتقطم على "حتة قشة" هي فكرة فيها من السذاجة كتير.. لأن ببساطة الفكرة دي بتتناسى تأثير تكرار المصايب الصغيرة..

الكاتب الشهير إدوارد كار اللي كتب كتب كتير عن كيفية قراية التاريخ نفسه وكتب كذا حاجة عن مجال العلاقات الدولية والحروب ليه جملة شهيرة بيقول فيها "You cannot blame the last straw" أو "ماتقدرش تلوم آخر قشة"..

الرئيس أو المسئول أو السياسي أو القائد أو المدير أو الزوج أو اللي بيقوم بأي دور ممكن يتعامل مع كل موقف لوحده ويشوف "القشة نفسها" لو مهمة أو تقيلة أو صعبة أو لأ.. لكن الواقع بيقول كلام مختلف.. الواقع بيقول إن سقف التوقعات والقدرة على التحمل ومستوى المطالب كلها حاجات بتاخد في اعتبارها اللي حصل قبل كده مش بس القش اللي ناويين نشيله النهاردة..

فكرة إنه "لو كان شال العادلي يوم 25 كانت الدنيا عدّت" أو "لو كنيسة القديسين ماكانتش حصلت كان عادي" أو "لو كان طلع قال خطاب في نفس اليوم كان الموضوع بقى أبسط" هي كلها تكهنات ممكن تكون صح أو غلط لأنها ببساطة بتتناسى التراكمات وقد إيه الشعب استحمل قبل كده..

اللي شايل هموم ومشاكل و"قش" البلد.. أي بلد.. لازم يبقى فاهم إن ضهره هايتقطم بآخر قشة اللي شكلها بالظبط زي باقي القش..