Saturday, January 31, 2015

الفرحة بحاجات عبيطة

تقديرنا لحب أصحابنا أو عائلاتنا أو الناس اللي بنعتبرهم قريبين غالبًا بيكون مصحوب بمواقف وقفوا فيها جنبنا أو سندونا أو شجعونا.. ولما بنحاول نعدِّد الجمايل، أتوقَّع كده إن أكتر الجمايل هي اللي كنَّا بنمر فيها بموقف صعب ولقينا صديق أو أخ بيقف جنبنا ويحس بالوجع ويحاول يساعد، أو على الأقل يحاول يعبَّر عن إحساسه بالوجع ده..

ولمَّا برضه بنفتكر تضحية أهالينا وتعبهم معانا، غالبًا بنفتكر "وقت لما كان عندك تلات سنين وعييت ودرجة حرارتك وصلت أربعين في نص الليل، ونزلت بيك على الدكتور" إلى آخره من الجُمل الحقيقية والجميلة واللي حصلت فعلًأ..

غالبًا بيكون سهل و"غريزي" إن الواحد يحس بوجع ابنه أو حد بيحبُّه حتى لو الوجع "بسيط".. لو ابنك اتخبط في صباع رجله الصغير، أو جاب نمرة وحشة في امتحان، أو لعبته اتكسرت (مش نهاية الدنيا يعني!)، غالبًا بيكون سهل (لو إنت مهتم يعني) إنك تحسّ بوجعه أو إحباطه.. بتحُط نفسك مكانه وبتقتنع إن التحدِّي بتاع لعبة مكسورة هو تحدِّي كبير لو عندك أربع سنين..

لكن لما شفت الصور دي لقيت إن التحدِّي الأصعب هو إنِّي مش بس أتوجعلك على الوجع العبيط بتاعك، لكن كمان أتبسطلك على الإنجاز اللي يمكن يبان عبيط بس هو مهم ليك.. الموضوع ده محتاج قرار، لأنه مش بنفس سهولة أو تلقائية إني أتوجَّع لوجعك.. أنا محتاج أحط نفسي مكانك وأكتشف انبساطك وأفرحلك وأفرح معاك..

الأمَّهات أشطر شويَّة في الموضوع ده.. غالبًا ربِّنا مدِّيهم طولة بال وصبر واحتمال وإلَّا البشريَّة ماكانتش تكمِّل! لكن شطارتهم بتبان في فرحتهم بالحاجات "العبيطة" اللي بتفرَّح عيالهم أكتر يمكن من إحساسهم بالوجع أو الفشل أو الضيق..

"برافو برافو.. روح كمِّل الواجب بقى" هي جملة من الجمل اللي ممكن تبيِّن قد إيه إنجاز ابنك مش مهم بالنسبالك أو قد إيه قادر تبذل مجهود إنك تتبسطله..

لما تخيَّلت الموضوع ده عن ربِّنا اتبسطت :) مبسوط إن ربنا مش بس حاسس بالوجع والتعب والظلم، لكنه كمان بيتبسط بالاختراعات والورد والنجاح والأعياد وبكل حاجة بتبسطنا..
 
كل واحد فينا عنده حاجات فخور بيها وهي في حد ذاتها غالبًا حاجات عبيطة بالنسبة لناس تانية.. لو إحنا أصحاب، مش بس هاتتوجع لوجعي حتى لو الوجع بسيط، لكن كمان غالبًا هاتفرحلي بالحاجات اللي أنا مبسوط بيها حتى لو بالنسبالك عبيطة!






Saturday, January 24, 2015

حاجات صغيرة

لما بنتكلم عن العلاقات وعن السعادة وعن النجاح كتير بنتطرَّق لمناقشة عن الحاجات الكبيرة والصغيرة، الحاجات المهمة والتافهة، الحاجات اللي نركِّز عليها وندِّيها اهتمام والحاجات اللي نطنِّشها باعتبارها مضيعة للوقت. وموضوع الحاجات الكبيرة والصغيرة ده من المواضيع اللي يمكن بنبصلها بطريقة مختلفة.

لما بنحاول نتكلم عن قيمة الحاجات الصغيرة وعن قد إيه "الحاجات الصغيرة بتفرق" وكل الكلام ده في الغالب بنكون بنتكلم عن حاجات "كبيرة" ناس شايفاها تافهة أو صغيرة.. وتلاقي المناقشة بتتحوّل لجدال عن الحاجة دي كبيرة قد إيه يعني! دي كلّها حتّة دقن في أثر قديم، أو دي كلّها وردة بعشرة جنيه، أو دي حتّة رسمة تافهة، وهكذا..

وتبدأ الفلسفة في فكرة "المفتاح صغير لكن من غيره الخزنة مالهاش قيمة" و"دفّة السفينة صغيرة لكنها بتتحكم في اتجاه السفينة كلها" وغيرها من الأمثلة..

لكن هنا أنا بأتكلم عن الحاجات الصغيرة اللي كل الأطراف بتعتبرها صغيرة.. الحاجات الرخيصة اللي الهادي والمُهدى ليه بيعتبروها رخيصة.. يا ترى الحاجات دي مهمة؟

لما فكَّرت شويَّة في الموضوع ده لقيت إن الحاجات الإيجابية اللي بنفتكرها للناس اللي بنحبهم أغلبها حاجات صغيرة.. مش صغيرة من وجهة نظرنا بس، لكن صغيرة من وجهة نظر الكل.. يعني بنلاقي ناس بتفتكر توصيلة للشغل، أو مساعدة في شيل حاجة على السلم، أو حد خد باله من الزرع بتاعك وانت مسافر، أو أب كان بيجيب لعياله أكلة معينة بيحبوها، أو أم كانت بتعلِّم بنتها خياطة أو رسم، وغيره.. ولو نلاحظ لما الناس بتسافر أو بيرحلوا عن عالمنا، قليل قوي ما بنفتكر الحاجات الكبيرة (اشترالي هدية غالية في عيد ميلادي) لكن غالبًا بنفتكر الحاجات الصغيرة (عمره ما نسي يبعتلي رسالة في عيد ميلادي)..

مدلول الكلام ده كبير.. أنا هنا مش بأتكلم عن حاجات "بسيطة" لكن تأثيرها عظيم! لأ.. أنا بأتكلم عن حاجات بسيطة وتأثيرها كمان بسيط بس غالبًا لأن الحاجات دي حلوة فبتفضل.. إيه التفسير؟ مش عارف.. إيه اللي يخليني أفتكر الحاجات الصغيرة والتضحيات البسيطة، ويمكن ما أفتكرش قوي الحاجات الكبيرة، مش عارف.. لكن عارف إنه سهل وحلو ومشجع إن كل ما أقدر أعمل حاجة صغيرة تبسط حد بأحبه هأعملها.. الموضوع طلع أسهل من المفروض.. أتمنى أقدر الوقت اللي جاي إنِّي أستثمر أكتر في حاجات صغيرة حلوة كتير، أحسن من إنِّي أقعد مستنِّي أعرف أخطَّط لحاجة حلوة كبيرة أبسط بيها اللي بأحبهم..

مخزون المحبة والقبول والسعادة عندي وعند غيري بيتملي ويكبر مش بحاجات كبيرة وغالية ومهمة، لكن في أغلب الوقت من حاجات بسيطة صغيرة من وقت للتاني..

Saturday, January 17, 2015

إشمعنى

ليه اتضامنت مع فُلان؟ طب إشمعنى كتبت عن القضية دي بالذات؟ ليه الصحفي ده مهتم بالبلد دي ومش بالبلد التانية؟ وغيرها كتير من الأسئلة اللي ساعات بنسألها بحُسن نيَّة وساعات بنسألها عشان نشاور على عدم حياديّة حد معيَّن أو على ’’النوايا الخبيثة‘‘ في التعاطف مع فئات بعينها.

الموضوع ممكن يكون زاد في السنين الأخيرة، أو ممكن يكون الاهتمام والإشارة ليه هما اللي زادوا، لكن على أي حال محتاجين نراجع الأزمة بتاعة "إشمعنى" دي لأنَّها أزمة سخيفة ومالهاش أي احتياج بصراحة..

إنت ممكن تكون بتحب الحيوانات الأليفة وما تستحملش حد يأذيها وعشان كده تكون بتعمل حملة لمنع الإساءة للحيوانات.. هل ده معناه إن البني آدمين بالنسبالك مش مهمين؟ وهل لازم تقدِّم ما يُثبت إنك كمان بتؤيد عدم الإساءة للبني آدمين؟ وهل طبيعي إننا نهاجمك ونتريق عليك ونقولك "مش لما نشوف الناس الأول نبقى نشوف الحيوانات بعد كده"؟

أسباب دعمنا وتأييدنا للناس والقضايا أسباب مختلفة، ومش كل الأسباب دي مبنيَّة على "أولويَّة قياسيَّة"، يعني ترتيب أهمية القضية اللي بأدعمها مش شرط يكون أعلى من قضيتك، فممكن أركز كل مجهودي في التوعية لفايدة أكل معين أو رياضة معينة حتى لو ده بان ليك إنه "رفاهية" و"حاجة ثانوية"

التعقيد والتنوّع اللي بيميزوا العصر اللي بنعيشه هم اللي بيسمحوا بقضايا ومشكلات كتير تكون بتتطرح من وجهات نظر مختلفة ونلاقي ناس بتكرَّس كل طاقتها في قضية مهمة بالنسبالهم حتى لو ثانوية لناس تانية.

مش مطلوب مني (ولا حتى عمليا ينفع) إني أتعاطف مع كل القضايا في كل وقت في كل حتة في العالم، هاييجي وقت هاكون متعاطف ومتحمس مع حملات شايفها مهمة وحد غيري شايفها أقل أهمية.. طالما المناقشة هنا مش "ندِّي الأولوية لمين" يبقى مش مفروض يكون فيه مشكلة.. اعمل إنت تغطية للي حاصل في نيجيريا وغيرك يعمل تغطية للي حاصل في فرنسا وغيرك بيعمل حملة للقضاء على الأمية وغيرك عامل مبادرة للرفق بالحيوان.. مش شرط كلنا نعمل كل حاجة، ومش شرط كلنا نعمل "أهم" حاجة والحاجة اللي تبان "ليها أولوية"


آه لما الموضوع يتعلق بالحكومات وبوظايف المسئولين ينفع المحاسبة تكون بفكرة الأولوية وإيه المُلحّ في الوقت الحالي، ووقتها تقدر تلوم التليفزيون الرسمي على عدم تغطية موضوع معين في حين إنه غطّى موضوع تاني أهميته أقل، لكن على مستوى الأفراد والكُتاب والبرامج والمناقشات فينفع إني أتحمس لموضوع معين حتى لو كان تافه من وجهة نظرك.. طالما المناقشة مش عن "إيه أكتر المواضيع الملحة حاليا"..

ماتحسّش بالذنب لو الموضوع اللي شاغلك ومهتم بيه ومديله وقتك موضوع مش في أولوية المواضيع اللي أغلب الناس ممكن يتحمسولها.. مش شرط كلنا نكرس وقتنا وطاقتنا عشان نقلل من وفيات الطرق أو عشان نوفر أكل للفقرا أو عشان نمحي الأمية.. ممكن فينا ناس يتحمسوا عشان ناس أكتر تتعلم مزيكا، أو عشان نحافظ على فنون يدوية، أو عشان نحمي الكلاب الضالة.. وممكن ناس تتحمس لحملات لتشجيع الكتابة عند الأطفال أو لمنع ختان البنات أو لتشجيع الناس على الجري.. كله مهم وكله ضروري.. وطالما اللي بأعمله مقبول موضوعًا يبقى بلاش حكاية إشمعنى اهتميت بالموضوع ده وما اهتميتش بده.

Saturday, January 10, 2015

كفاية

مرات كتير لما بنقعد مع نفسنا ونقيِّم أحداث أو مواقف أو علاقات بنحس بتقصير.. بيجيلنا شعور إننا عمرنا ما عبَّرنا عن محبتنا لأهالينا بشكل كافي.. عمرنا ما قرَّبنا من ربنا كفاية.. ما قدِّمناش لعيالنا نموذج مثالي.. ما شجعناش وما ذاكرناش وما اجتهدناش كفاية.. أغلبنا كان بيكره دعوة ’ربنا يدِّيك على قد تعبك‘.. لأننا عارفين غالبًا إننا ما تعبناش كفاية

وهنا كتير بييجي تساؤل نحدِّد ’الكفاية‘ دي إزاي؟ إمتى أقول إني حبيت كفاية أو ذاكرت كفاية أو جمَّعت بيانات كفاية للبحث بتاعي.. إمتى أم تقول إنَّها ضحِّت كفاية أو ربِّت كفاية أو جابت آخرها من الحنِّيَّة والرحمة؟ إمتى نقول إننا عبَّرنا لوالدينا عن امتناننا وعرفاننا ليهم بشكل واضح وكافي وماينفعش يكون فيه أكتر من كده؟

فيه حاجات كتير إحنا مش موافقين عليها كبشر.. لكن يمكن من أكتر الحاجات اللي مش موافقين عليها هي محدوديتنا.. بنكره فكرة إننا محدودين.. مبسوطين بحاجات تانية في إنسانيتنا لكن نِفسِنا لو المحدوديَّة ما تبقاش موجودة.. يمكن اختراعات وابتكارات كتير بتحاول ’تتغلِّب‘ على المحدودية دي.. مش عايزين نتحدّ بزمان أو مكان أو قدرات.. نتمنَّى لو نعرف نطير ونعوم ونمشي بسرعة ونشوف الحاجات الصغيرة قوي ونشوف الحاجات البعيدة ونكلِّم ناس مش موجودين في نفس الأوضة ونعرف ’مين شاف البروفايل‘ وما إلى ذلك من حاجات بنحاول نعملها أو بنتمنى حد يكتشف طرق عشان نعرف نعملها، بحيث ما نبقاش محدودين، إلَّا إن جزء من الذكاء البشري محتاج لإدراك المحدودية دي.. محتاجين نفهم إننا مش آلهة.. والمعلومة دي مش طول الوقت وحشة


فيه حلاوة خاصة في فكرة إني أقدر أفضل أحب وأتحب من غير ما أوصل ’للآخر‘، من غير ما أوصل ’لأقصى درجات الحب‘، أسمى علامات التضحية‘ ولا ’أعلى مراحل المعرفة‘.. فيه متعة في إني أعرف إن فيه كتير لسَّة مش هاقدر أوصلُّه.. ها يفضل طول الوقت فيه حاجات تتعمل وكلام يتقال وكتب تتقري ورياضة تتلعب ومزيكا تتعمل ورسومات تتكوِّن، ها يفضل طول الوقت فيه مساحة لأحلام تانية ومشاريع أكبر، وطموحات حلوة.. ويمكن ده اللي يبان تناقض فينا كبشر، إن الله سبحانه حط فينا جزء من اللامحدودية بتاعته في إطارنا المحدود.. فنفضل محدودين لكن في محدوديتنا ما نوصلش للآخر، لأن ما فيش آخر

أعتقد إني لما أكون أب، هأحب إحساس إني أقدر أدِّي حب لعيالي بعمق جديد بغض النظر عن عددهم أو أعمارهم أو عمري.. ويمكن ده يشيل شويَّة من الإحساس بالذنب بتاع ’ياترى باحبهم كفاية؟‘ لأن ما فيش كفاية

Saturday, January 3, 2015

دعوة إلى عدم التوازن

ماحدِّش يكره التوازن؛ ماحدِّش بيحب أو بيقول إنّه بيحب التطرُّف! أغلبنا بيميل لتصديق إنّنا متوازنين؛ فاللي بيشرب سجاير فاكر إنه مش بيشرب كتير قوي يعني، واللي بيذاكر ليل نهار مقتنع إنه بيذاكر "في المعقول"؛ واللي بتلبس لبس غالي مصدّقة إنه مش غالي بزيادة، وهكذا..

وزي ما تكون حكاية "التوازن" دي هي خدعة بنستخدمها عشان "نريّح نفسنا" باعتبار إن "المتطرّفين الوحشين دول" مساكين لأنهم مش معتدلين ولا متوازنين ولا وسطيّين زيّنا. وده مش بينطبق بس على تطرّف بعينه، لكن أغلبنا بيشوف إن فلان "مزوّدها" شويّة أو عِلّان "محبّكها" شويّتين في حين إن فلان وعلّان شايفين إن أنا وإنت "متسيّبين" أو "متساهلين" أو "مش فارق معانا" وإننا محتاجين نكون متوازنين أكتر في "البرود" بتاعنا.

ما تيجوا لما نتناقش نسيبنا من حكاية "التوازن" دي ونحكّي في الموضوع نفسه؟ أطراف الموضوع مش بالضرورة وحشة مقارنةً بالنُص، والحلول الوسط مش شرط تكون أفضل الحلول.

لما بنتناقش مع بعض محتاجين نفتكر إن النقطة الوسطيّة الجميلة العظيمة المثاليّة هي نقطة تخيّليّة ومختلفة عند اللي بيتناقشوا، وإلّا جزء كبير من الاختلاف كان يحلّ نفسه. 

جايز اللي مش بيشرب سجاير خالص أقل توازن من اللي بيشرب سيجارتين تلاتة في اليوم؛ وجايز اللي مخلّف تلات عيال متوازن أكتر من اللي مخلّف اتناشر؛ مش هي دي القضيّة؛ لأن التخوّف في المناقشات اللي من النوع ده هو إن المناقشة تتحوّل لتعريف نقطة التوازن (واللي هي غالبًا نقطة خلاف أساسًا!)

مش هأطلب منّك لما نختلف إنّك تكون "وسطي" لكن يمكن أحاول أقنعك باللي أنا مقتنع بيه، بغض النظر عن النقطة المركزية في رأيي، وساعتها مش فارق بقى رأيي ورأيك وسطيين ولّا على جنب ولّا شكلهم متطرّف!