Saturday, August 30, 2014

أهو ارتاح!

زي مافيه دورات تدريبية لكذا حاجة، يعني لامتحانات أو مسابقات وغيره، الظاهر إن فيه مجتمعات أو بلاد أو ساعات أُسر بتحب تقدم خدمة الدورات التدريبية في "الموت".. بحيث إن اللي "عايش" يكون برضه بيتمرّن على قد ما يقدر، عشان لما يجيله معاد موته يكون جاهز

مجتمعاتنا زي ما تكون "قاصدة" الحكاية دي! الموت  
اللي حوالينا في كل حتة مش بس بقى يخلينا "ما نستغربش" لكن كمان "بيموّت" جوّانا حتت صغيرة يوم ورا يوم، على أمل إن لما "موتة ربنا" ييجي معادها، نكون وقتها جاهزين.. ومش نكون جاهزين لأننا عشنا كويس، لأ، لأننا مُتنا قبل كده ١٠٠ مرّة

بتموت جوانا شوية بشوية حتت صغيرة مننا. أجزاء من إنسانيتنا "بتبطّل تعيش" لما الظروف اللي حوالينا تقنعنا إن الحتّة دي مش مهمة. مش لازم تعيش

فيه حتّة فيّ بتموت لما بأتظلم.. لما بأتهان.. جزء منّي بيموت لما مش بأقدر ألاقي طريقة أحقق بيها حلمي البسيط.. أو لما مش بألاقي طريقة أعبّر بيها عن حلمي .. أو ساعات لما بيقولولي إني مش مفروض يكون عندي حلم.. اللي هو نظرية "إنت بتحلم؟!" كأنه ممنوع إن الواحد يحلم

بنموت مع كل خبر عن تحرّش وفساد وإهمال. بتموت جوانا حتة من العدالة الإنسانية البسيطة الأساسية اللي اتولدنا بيها في كل مرة بنشوف ظلم وقهر وعنف وتخويف

الظاهر إن المجهود الخرافي اللي بعض المجتمعات بتبذله عشان يدربّونا على الموت جايب نتيجة.. بقت موتة ربنا أسهل وأرحم وفيها حكمة وعدل ومنطق.. فيها رقّة لأنها بترحم اللي مات من إنه يفضل يكمّل موت يومياً.. والظاهر هاتفضل منطقية جداً جملة "أهو ارتاح".. على أساس إنه اترحم من إنه يفضل يكمّل يموت مئات المرات وهو عامل نفسه عايش  

Wednesday, August 13, 2014

انتحار مش تقليدي

أحد الظواهر الموجودة في الاستبيانات اللي بتطلب من الناس اختيار إجابة من بين مجموعة اختيارات هي ظاهرة بيسموها ال Primacy Effect   وفيها بيبقى ملحوظ إن الناس عندها ميل أكبر لاختيار "أول اختيار ينفع" من مجموعة اختيارات كتير. أول إجابة تبان أنها صح.. وعشان كده لقوا إن فيه تحيّز أكبر للاختيارات الأولى (مثلا من 1 ل 5 لو عدد الاختيارات عشر اختيارات) في حين إن نفس الاختيارات دي لو اتعكس ترتيبها، برضه بيكون فيه ميل لاختيار "أول اختيار يبان صح".

الأزمة في الموضوع ده إن ما بيكونش فيه فرصة لاختيار اختيار "أفضل" أو "أحسن" أو "أدق" لأني "بأتخمّ" في أول حاجة شكلها صحيح.

الموضوع ده موجود في التواصل بشكل عام. وإحدى النظريات اللي بتشرح التواصل بتتكلم عن فكرة إن العقل بيدوّر على أكتر معنى ليه علاقة بالموضوع بأقل مجهود ممكن. مش مجرد إن العقل بيدوّر "في كل المعاني المحتملة" لجملة معينة.. لأ.. أقرب معنى. وإلا المخ مش هايلاحق على فلترة كل الكلام اللي بيتقال.

افتكرت الموضوع ده مع خبر موت روبين ويليامز وردود أفعال وتعليقات ناس كتير على الخبر. هاسيب التعليق على الخبر نفسه وفكرة الانتحار، وهاسيب التعليق على "الهري" و"الفتي" بحسب تعبير ناس كتيرة، وهاسيب التعليق على حُرمانية الانتحار من عدمها. هاسيب كمان مناقشة هل المنتحر يُعتبر مريض نفسي يستحق التعاطف، أو مُجرم قرر ينهي حياته اللي هي مش ملكه.. وبرضه هاسيب الوعظ والنصايح والتأملات في مدى فايدة حياة المشاهير، وهل هم بجد سُعدا وكل الكلام ده.. هاسيب كل المناقشات دي، لأنها بالنسبالي هي تحت فكرة "أول حاجة بتيجي في البال" لما بنسمع عن خبر انتحار.. وإذا كان روبين ويليامز كوميديان فأعتقد إنه هو شخصياً لو شاف المناقشات "البدائية" دي كان ممكن ببساطة يبتسم ويحس إن الانتحار كان أحسن قرار ياخده!

لكن اللي حابب أفكر نفسي بيه هو الآتي: حواليّ ناس كتير انتحرت من زمان.. وقّفت حياتها. أنهت عُمرها.. من غير ماتاخد منومات ولا تشنق نفسها بحزام ولا تقطّع شرايينها.. ناس باينين أنهم لسّة "صاحيين وبيلعبوا".. بيشتغلوا، وبيتجوزوا وبيخلفوا وبيذاكروا وبيتفسحوا.. وبيصلوا وبيصوموا.. كأنهم عايشين بالظبط!

انتحروا لما حسّوا إن مالهمش قيمة.. انتحروا لما حسّوا إن حياتهم ماتساويش أي حاجة.. انتحروا، بس قرروا يفضلوا يتنفسّوا ويفضل قلبهم يدق.. جايز مكسوفين أو خايفين أو مستحرمين "الانتحار التقليدي"..

على قد ما بيكون موت أي شخص مؤلم، على قد ما بيكون مؤلم أكتر موت ناس كتير حوالينا فاكرين إنهم عايشين.. هم فاكرين إنهم عايشين، وإحنا فاكرين إنهم عايشين!

يمكن يكون صعب إني أمنع حد من أنه يربط حزام حوالين رقبته عشان يموّت نفسه، لكن أخاف أكون يومياً بأساعد ناس إنها تنتحر! خايف أكون في تعليقاتي أو عدم تعليقاتي أكون بأخلي ناس بأتعامل معاهم يفقدوا حتة ورا حتة من قيمة وجودهم.. ناس تكون بتنتحر وتفضل باينة أنها عايشة..


التويت اللي في الصورة مبعوتة في فبراير اللي فات من حد بيشكر روبين ويليامز وبيقوله "أشكرك إنك خليتني أضحك جامد جداً. أنا كنت محتاج لكده".. وكان رد روبين ويليامز عليه في تويت بيقول "أنا كنت محتاج التويت بتاعتك دي. أشكرك!"

أتمنى أعرف ألاقي وأميّز الناس اللي بأحبهم حواليّ، وأكون سبب أدعى لإحساسهم بقيمتهم وقيمة وجودهم، سواء بكلمة أو بابتسامة أو بخدمة أو بوقت كافي أقضيه معاهم.. قبل ما يفوت الوقت وأسأل انتحروا ليه، وهايروحوا فين، والسعادة إيه!

Friday, August 8, 2014

قطر الحياة

من يومين كان فيه خبر من أستراليا عن راجل رجله اتحشرت وهو بيركب القطر بين القطر والرصيف. الراجل ماقدرش يخرّج رجله فلما الناس لاحظت كده، قالوا لسوّاق القطر عشان مايتحركش، وبدأ الركاب كلهم يتحركوا جوة القطر بحيث يكون كل التُقل بتاعهم على الناحية التانية. ماكانش فيه فايدة من الموضوع ده، فراح الناس على الرصيف فضلوا يزُقّوا جسم القطر بعيد عن الراجل لحد ما خرّج رجله.
 
صورة مثالية نموذجية لشيء واحد. لأ مش النظام، ولا التعاون، ولا الذكاء. صورة إن دلت على شيء فهي بتدل على الفطرة الطبيعية البشرية الغريزية في الإنسان إنه يحب الحياة. يحب الحياة كلها. حياته هو وحياة البشر التانيين. فطرة الإنسان العادي المتوسط إنه يتمنى خير وسعادة وصحة الناس التانية.
 
موضوع القطر ده محتاج دراسة فعلاً..  كتير مننا بقى بيؤمن خصوصاً في الأوقات الأخيرة إن الخير والجمال والحق والحب مش هم الطبيعي. الغريزي والتلقائي هو العنف، أو على الأقل المصلحة الشخصية. للدرجة اللي فيها بنعرف نلاقي أسباب أنانية في أفعال الخير. اللي بيتمنى الخير لحد بيحبه بيلاقي شبع ورضا معين، والأب والأم اللي بيضحّوا بيشوفوا مقابل وبيلاقوا سعادة في فرحة عيالهم، لكن ناس في محطة قطر؟ إيه نوع الرضا أو الشبع الأناني اللي ممكن يكونوا حسّوا بيه لما أنقذوا الراجل؟ مين من الناس دي روّح بيتهم وقال لمراته "ده لولايا الراجل ده كان يفضل محشور بين القطر والرصيف"؟ مين من الناس دي اللي كانوا بالميّات اتحرك عشان يساعد الراجل ده علشان يعرفه من قبل كده؟ أو عشان جاره؟ أو عشان مسلم أو مسيحي أو ملحد أو مهندس زيّه؟ مين حتى اتحرك عشان يساعد عشان "عيب  حد في منطقتنا يكون في زنقة ومانساعدوش! الناس ياكلوا وشّنا!"؟
 
الحاجة الوحيدة اللي جمعت الناس دي هي الإنسانية. مافكّروش! إحنا مخلوقين بحاجة تلقائية جوانا بتلاقي في الخير حاجة طبيعية. وعلى غير اقتناع بعضنا إن مافيش خير مصفّي كده من غير غرض! أو إن الخير حتى لو باين إنه صافي لكن ممكن يكون بمبدأ "قدّم السبت"، إلا إن مئات الناس في محطة قطر قرروا كل واحد بشكل فردي وهو مش مضطر إنهم يعملوا حاجة يساعدوا بيها واحد مايعرفوهوش .ده دليل على بذرة خير وحياة موجودة جوانا كلنا، 

مهما حاولنا نطمرها ومهما ظهرت فينا قسوة، ومهما كان حوالينا قتل، فطرتنا حب وخير وحياة..