Monday, April 30, 2012

مش من أخلاقي

الأخلاق من المجالات اللي بتشكّل صعوبة خاصة في مناقشتها أو مرجعيتها.. وعلى الرغم من استخدامنا للكلمة كتير إلا إنها يا إما استُهلِكت أو فقدت معناها.. أو ممكن تكون أخدت معاني كتير بعدد مستخدميها..

الأخلاق مش هي القوانين.. الجملة اللي بحبها وباستخدمها كتير بتقول: القانون هو الحد الأدنى للأخلاق.. لأن في الأخلاق إنت بتحط لنفسك معايير أعمق من القوانين الموجودة.. مقاييس بتصعّب عليك استخدامك للحرية..  وحكاية "بتصعّب" دي هي شخصية جدا.. يعني إنت اللي بتحط المقاييس دي وإنت اللي بتراقب نفسك بتطبقها ولّا لأ.. وإنت اللي بتحس بالإحباط لو تصرفاتك ما كانتش قد المعايير الخاصة بتاعتك.. وماحدش هيلومك لو ماستخدمتهاش

عمري ما أقدر أقول إني عندي أخلاق إلا لو عندي اختيار إني ما أطبقهاش.. لو ماعنديش حرية التصرف إذاً أنا "مضطر" إني أتصرف بالطريقة اللي باتصرف بيها.. أخلاقي وأخلاقك هي اللي بتخلينا "نقرر" نتنازل عن حق أو حرية أو احتياج طبيعي.. نتنازل بإرادتنا.. نتنازل عن طيب خاطر.. ونحس إننا بالتنازل ده بنعمل الصح..

أخلاقك هي اللي بتخليك تسيب حتة البيتزا الأخيرة عشان لو حد من إخواتك نفسه فيها.. وهي اللي بتخليك تسيب باباك يتفرج على الأخبار وإنت نفسك تتفرج على برنامج تاني.. هي اللي بتخليك ماتتكلمش عن تضحياتك ومساهماتك للبشرية..

أخلاقك هي اللي بتخليك مستعد إنك تكمّل تعمل اللي إنت شايفه صح من غير ماتتفشخر قدام الناس.. أخلاقك هي اللي بتخليك تتبع الأسلوب العلمي في الوصول للمعلومات حتى لو المصادر التانية على نفس الدرجة من التأكيد..

أخلاقك هي اللي بتخليك تحط قيود على نفسك إنت مش مضطر تحطها.. لمجرد إنك عايز الخير والجمال يسود والأمل والفرح يكونوا حواليك..

أخلاقك هي اللي بتخليك تراعي بتقول إيه على الإنترنت حتى لو مافيش قانون يمنع إنك تشتم واحد أو تركّب صورة أو تشارك في فضيحة..

مافيش حد يقدر يدعو لأخلاق أفضل.. لأن ببساطة لو كل الناس بقى عندها نفس المعايير هتبقى المعايير دي قوانين.. الأخلاق هي الحاجة اللي بتميّزك.. اللي وقتها تسمع الناس بتقول عنك: فلان عمره ما يعمل كده على الرغم إن ده حقه... أنا عارفه كويس..

أخلاقي بتبان في التعاملات اللي مافيش فيها قوانين واضحة.. ولا وصايا صريحة.. ولا "حلال" و"حرام" متفق عليه..

هيفضل العالم بيحاول يوصل لقوانين ثابتة تنظم العلاقة بين البشر.. لكن هيفضل كل بني آدم في صراعه عشان يوصل للمعادلة اللي في منتهى التعقيد.. اللي فيها توازن مابين إنه مخلوق زي باقي البشر.. لكنه كمان مميز عن الكل..

الأخلاق فوق-البشرية هي اللي فيها بأتنازل عن حقّي رغم إني مش مضطر.. في سبيل الخير والجمال والحق والحرية والحب والأمل.. ومن غير ما أمسك ميكروفون وأتكلم عن قد إيه أنا عظيم!

أخلاقك هي اللي بتخليك تتصرف بالطريقة اللي شايف إنك مفروض تتصرف بيها من غير ما تمشي في الشارع وتقول "مش من أخلاقي"!
 

Friday, April 27, 2012

أوّل طلعة

لأننا كائنات أقرب للتعقيد مننا للبساطة غالبا الحاجات البسيطة بنحس إنها يا إما مش مهمة أو فيها نوع من السذاجة أو الطفولة أو السطحية.. وعشان كده التفاصيل و"الحيثيات" و"النقط الفرعية" بتلفت انتباه كتير مننا.. في حين إن بعض الأساسيات ممكن تفوت علينا..

بقالي كذا يوم في ذهني فكرة البدايات.. بدايات أي حاجة.. بداية الشغل.. بداية الجواز.. أول طفل.. أول يوم مذاكرة.. أول حصة تعليم سواقة.. واكتشفت إننا للأسف "خسرانين" كتير بسبب نظرتنا للبدايات..

حاجات كتير سلبية بنربطها بالبدايات.. زي مثلا التوقيت.. بننتقد اللي يبتدي حاجة جديدة في وقت متأخر نسبيا.. ونلاقي ناس تقول: معقول بعد ما شاب ودّوه الكتّاب؟ على الرغم إن مافيش مسابقة لأصغر واحد يروح الكتّاب ولا فيه أي حاجة تمنع إني أبتدي وأنا شعري شايب..

نظرتنا للبدايات هى نظرتنا لأول يومين تلاتة من لبس الجزمة.. أو أول خمس ست شهور جواز لحد ماتتعلم الطبيخ.. أو أول كام يوم يروح المدرسة.. أو أول كام ساعة في الجيم!

إحساسنا هو "يا مسهّل".. وعلى رأي عم أيوب : "هي بس أول طلحة وبعد كده بافتح ع الرابح!"

هو أنا لما بيبقى عندي التوجه ده ممكن أخسر؟ متهيألي آه.. كتير..


زي ما الله سبحانه خلق كل حاجة من البداية الله كمان "خلق البداية".. خلق فكرة "أول كام يوم".. خلق المراحل اللي فيها بنبتدي.. كان ممكن سبحانه يخللي الشمس تطلع مرة واحدة والكون يمشي على الأساس ده.. والناس كلها تتولد كبار وعارفة تمشي.. والورد كله بحجمه الطبيعي.. لكن واضح إن فيه جمال وسحر خاص لفكرة إن الله سبحانه يشوف خليقته الرائعة في كل ثانية "بتبتدي" حاجة..

أتخيل سعادة وفخر الله سبحانه بكل برعم صغير لسّة بيفتّح.. كل طفل بيمشي لأول مرة.. كل اتنين مخطوبين بيتجوزوا ويبدأوا حياتهم.. كل حيوان بيتولد ويحاول يتعلم يقلد الأصوات وياكل ويمشي.. كل فراشة بتخرج لأول مرة من الشرنقة..

المراحل دي مش مجرد مراحل "لا بدّ" منها عشان الوصول للمرحلة "المظبوطة" بتاعة الوردة المفتّحة والشاب الناضج والزوج والزوجة اللي بقالهم 10 سنين متجوزين.. البدايات دي مش مجرد "تدريبات" أو "مراحل فيها معاناة" أو "تعب ضروري" للوصول للوضع النهائي المرغوب.. البدايات دي مقصودة.. ومقصودة جدا..


يا خسارة.. أنا النهاردة ماقدرش أستمتع بأولى محاولات ركوب العجلة.. ماقدرش أفتكر السعادة والشعور بالإنجاز لما مشيت أولى خطواتي.. لما بدأت أعزف على البيانو بصعوبة.. لما طلعت على المسرح أول مرة.. أول يوم شغل.. أول سفر..
لكن نفس المتعة موجودة في كل حاجة هبدأها.. عندي فرصة إني أختبر التحدي واللخبطة ومحاولة الإنجاز في كل حاجة جديدة هبتديها..

سعادة الجد والجدة بتكون غالبا بسبب إنهم بيشوفوا البدايات من أول وجديد.. بيشوفوا الخطوات الأولى.. بيسمعوا أول كلمة "ماما".. بيشوفوا أول ابتسامة..

المساحة في حياتي وحياتك إننا نختبر البدايات مساحة كبيرة.. وعلينا إننا ندوّر على تحديات وبدايات تديّنا المتعة والإثارة والتحدّي اللي موجود في كل "أول طلعة".. أول طلعة ممكن تكون لغة جديدة هبتدي أتعلمها..ممكن تكون مكان هروحه لأول مرة.. علاقة صداقة جديدة.. شغل لسّة ببدأ فيه..

أول طلعة ممكن تكون أبسط حاجة جديدة بأعملها لأول مرة.. وماعنديش مشكلة إطلاقا إن أول طلعة ماتكونش فخمة ولا فظيعة.. أصلها مش أول طلعة جوية!

Sunday, April 22, 2012

شوف الخامة؟

من أمتع الأماكن السياحية اللي شكلها مبهر عن قرب أكتر من الصور برج إيفل في باريس.. البرج ده هو أطول مبنى في باريس وأكتر مكان سياحي برسم دخول بيتزار على مستوى العالم كل سنة..

البرج اتبنى سنة 1889 عشان يبقى في مدخل المعرض الدولي اللي أقيم نفس السنة.. ومن ضمن الحاجات الطريفة إن البرج كان المفروض تتم إزالته بعدها ب 20 سنة لكن طبعا ماحصلش..

الراجل الأساسي اللي شارك في تصميم البرج هو جوستاف إيفل (واللي طبعا إتسمى البرج على اسمه).. جوستاف إيفل كان بيواجه تحدي غريب.. التحدي ده هو إن فكرة "المبنى الجميل" مرتبطة بالمباني اللي معمولة من حجارة.. مش حديد.. وحتي المباني اللي كان بيستخدم فيها حديد في الهيكل كان بيتضاف عليه من برة حجر stone عشان يدي الشكل الحلو..لكن البرج معمول كله من حديد والمتوقع كان إن المبنى مايبقاش مشهور ولا شكله جذاب ولا يحمل أي عنصر جمال.. لأنه معمول بس من حديد..

الراجل ده صدق إن الخامة مهمة.. لكن الخامة مش كل حاجة.. وعلى قد ما هو مهم إني أشوف "المكونات" و"الـ material" إلا إنه يمكن أهم إني أشوف "مين" اللي صمم.. "مين" اللي فكر في العمل ونفذه.. مين اللي بعبقرية وفن وجمال لمس بإيده حتة حجر أو ورق أو حديد أو طين وشكّل عمل فني راقي مختلف عن أي حاجة تاني..

وإحنا بنبص على البني آدمين عندنا اختيار نشوف في كل واحد فيهم "مجموعة خلايا وأنظمة فسيولوجية شغالة بمهارة" أو "صورة ابتكرها الخالق بإبداع"..

أقدر أشوف فيك "أصل طين" وأقدر أشوف فيك "تعبير عن جمال الله وصنع إيده"..


من الحاجات الطريفة المعلومات اللي بتتناول جسم الإنسان وبتقول إن لو واحد وزنه 70 كيلوجرام فهو عبارة عن "دهن يكفي لعمل 7 حتت صابون" و"كربون يكفي ل 7 أقلام رصاص" و"فوسفور يكفي لعمل 120 راس عود كبريت".. وهكذا..

المعلومات دي مجرد "معلومات طريفة".. لكن أنا وإنت أكتر من مجرد "خامة".. أنا وإنت صنع إيد فنان مبدع.. استخدم "طين" وأبدع صورة منه.. صورة تشاور عليه هو.. صورة تشهد عن روعة وعظمة إله.. إله قادر على صنع أجمل شيء من مجرد طين..


هيفضل برج إيفل يستقبل ملايين من الزوار من مختلف الجنسيات اللي شايفين في مجرد برج حديد جمال وإبداع.. في راجل اسمه لسّة مخلد ومرتبط باسم البرج.. لأنه قدر يصدق إنه يطلع حاجة حلوة من شوية حديد..

وهنفضل أنا وإنت من أصل طين.. لكن اللي عملنا هو أعظم مبدع..

Tuesday, April 10, 2012

الخناقة الجايّة

بنمر بظروف مختلفة بتبيّن شخصياتنا.. وإذا كان فيه مواقف بتبيّن الشخصيات "بسطحية" فيه فرص تانية بتدّي جوانب أعمق جوانا.. 

الناس اللي بتروح أفراح أو حفلات تَخَرُّج أو أعياد ميلاد وتحاول تختار عروسة أو عريس غالبا بيكونوا شايفين الناس في أفضل صورهم: مستحميين ولابسين شيك.. مبسوطين..جايين مناسبة مبهجة مستعدين لوقت كويس.. عشان كده فرصة إني أشوف حد "على طبيعته" للآخر هي فرصة تكاد تكون مش موجودة..

إنما اتفرّج بقى على الناس وهي متضايقة أو متغاظة.. وإنت تشوف الناس بجد.. شوفهم وهم مستعجلين أو غضبانين أو ضايع منهم حاجة.. هتعرف وقتها إلي حد كبير شخصياتهم.. عصبيتهم بتوصل لحد فين.. تفكيرهم العقلاني قد إيه.. بيعبّروا عن مشاعرهم إزاي وهكذا..

وعشان كده "الخناقات" هي علامة مهمة قوي في شخصيتي.. لو ماشفتنيش وأنا متضايق يبقى متعرفنيش..

لكن مش بس المهارة بتاعة "أتصّرف إزاي وأنا باتخانق" مهمة.. مش بس أشتم ولّا لأ.. مش بس أعلّي صوتي ولّا أكسّر الفازة.. مش بس كده.. المهارة الأصعب هي مهارة "اختيار الخناقة".. أتخانق أنهي خناقة! إمتى أعمل مشكلة وإمتى "أفوّت"

مقولة بالإنجليزي بتقول: Pick your battles أو نقّي المعارك بتاعتك.. شوف إيه المهم اللي تتخانق وتتحمق عليه..
"فلترة" الخناقات نفسها مهارة أنا محتاج أشتغل عليها.. مع عيالك ومديرك.. مع أصحابك.. مع شريك حياتك فيه حاجات "تتفوّت" وفيه حاجات "نتخانق عليها"..
 
ناس كتير في المجال السياسي أو الفني أو ناس من المشاهير جزء كبير من احترامنا ليهم (حتى من غير ما ناخد بالنا) هو بسبب إنهم شاطرين في إنهم إمتى "يردّوا" وإمتى "يطنّشوا".. إمتى يدّوا أهمية للكلام وإمتى يوجّهوا وقتهم وطاقتهم ومشاعرهم في حاجة مختلفة..

مش شرط كل ما حد يشتمني أرد.. مش كل مرة حد يتهمك بحاجة تدافع.. مش مضطر إنك تثبت إن الحق معاك.. مش لازم كل يومين تلاتة تطلّع بيان أو تعمل مؤتمر صحفي أو تكتب مقالة ترد بيها على رسمة أو تويتة أو نكتة أو خبر عنك..لأن جزء من شخصيتك بيبان بناء على أنهي خناقات "بتختار" إنك تدخل فيها وأنهي معارك "بتترفّع" عن إنك "تشرّف" الطرف المخطئ ولو حتى باهتمام أو رَد..

لما حد يبدأ يشاكل فيّ على طول بافكر: "يا ترى أتخانق دلوقتي؟ ولّا أستنى للخناقة الجايّة؟"

Saturday, April 7, 2012

العقل زينة

بيعجبني قوي افتخارنا بأجدادنا المصريين القدماء في كل اللي عملوه.. طبعا وقتهم ماكانش اسمهم "قدماء"!.. لكن ما علينا..

كل ما يحصل اكتشاف جديد أو ابتكار أو اختراع تلاقينا بنقول إن المصريين القدماء هم أول ناس فكروا في الحكاية دي.. بدءاً من المجرّات والأسلحة والطب مرورا بالمايكروويف والكيكة الإسفنجية واستخدام البوسترات في الدعايا الإنتخابية (صور "رع بوس ما نيع" في كل مكان وعلى المركبات الحربية في منف وطيبة وكل حتة... عملوا كل حاجة!

من ضمن الحاجات اللي استوقفتني (حلوة الكلمة دي..ممكن أستخدمها تاني!) كانت فكرة التحنيط والتفاصيل الدقيقة بتاعتها.. المومياوات الأولى غالبا كانت مكتشفة بالصدفة (مكتشفة للمصريين القدماء نفسهم بالصدفة) لأن الرمل الناشف والهوا ساعدوا في احتفاظ جثث كتير بشكلها بعد دفنها في حُفر مش عميقة قوي في الرملة.. وفي وقت الأسرة الرابعة والخامسة حوالي سنة 2600 قبل الميلاد بدأوا المصريين يحنّطوا عن قصد..

عملية التحنيط كانت بتاخد 70 يوم وكانت بتبدأ بتفضية الجسم من أي أجزاء داخلية ممكن تتحلل.. اللي لفت نظري هو إن العضو الوحيد اللي كانوا بيسيبوه جوة الجسم كان "القلب"..

كانوا بيشيلوا المخ.. عن طريق أداة على شكل خُطاف بتدخل من المناخير وبيتفضّى المخ بالطريقة دي.. وساعات بيترمي.. باقي الأعضاء زي الكبد والرئتين والأمعاء كانوا بيحتفظوا بيهم في أوعية مخصوصة اسمها canopic jars
 
المخ؟؟ ترموه؟ المخ؟

مع رمزية التشبيه لكن غالبا الحاجة الوحيدة اللي عرفناها من أسرار التحنيط هي دي! القلب نخليه.. لكن المخ مش مهم.. أصل هنعمل إيه بيه يعني؟ مالوش لازمة..

مش بتتغاظ لما حد يقوللك: "بُص.. حتى لو طلع كداب أنا وراه برضه".. أو"أنا عارفة إنه حرامي بس أعمل إيه! باحبه!".. أو "ماليش دعوة لو كلامي مش منطقي وماتناقشنيش.. هو ده إيماني"..

مش بيغيظني إن حد يبقى مش عارف.. أو مش واصلاه المعلومة كاملة.. لكن إنه يبقى عارف "ويقرر" إنه يرمي المخ؟

كما لو إن التفكير شكليات.. العقل رفاهية.. تشغيل المخ حاجة كده extra مش ضرورية قوي!
عشان كده عجبني لما صديق ليّ علّق وقال.. "فعلا.. العقل زينة".. بس!