Saturday, March 30, 2013

بتتكلم مسيحي؟

تُهمة غريبة جداً.. طبعا مش مستغربها في الإطار بتاعها (اللي هو بقى كله طريف الصراحة) لكن فكرة إن حد يقول "ده أنا سمعت ناس بيتكلموا مسيحي" دي فكرة جديدة بصراحة وتستحق الإشادة.. المهم.. مش بأتكلم دلوقت خالص على الأحداث الحالية.. لكن التعبير بتاع "بيتكلموا مسيحي" ده لفت نظري لحاجة تانية..
هو أنا ممكن الناس "تفقسني" كده وتكتشف علاقتي بربنا من غير ما يشوفوا خانة الديانة في البطاقة؟ هو ممكن حد لوحده كده يكتشف مدى العَمار اللي بيني وبين الخالق من مجرد كلامي؟ أو تصرفاتي؟ أو نظرتي للحياة؟ أو شغلي؟.. ممكن الناس تعرف من "اللهجة" اللي بأتكلم بيها؟ وطبعا ما أقصدش لهجة أو لكنة الكلام ولا الكلمات المعتادة اللي ممكن تدل على توجهاتي من ناحية الخالق.. يعني مش قصدي جُمل زي "ربنا معاك" (تبقى مسيحي على طول) أو "بالتوفيق إن شاء الله" (تبقى مسلم) أو "صلوات القديسين" (تبقى مسيحي أورثوذوكسي) لكن أقصد إن يبان في أفعالي إيه المهم وإيه اللي بالنسبالي ما يتقدرش بفلوس؟..
الناس مش عبيطة.. (طبعا فيه بعض الناس عبيطة لكنهم أقل عددا من اللي بنتوقعه).. الناس عندها القدرة على إنهم يعرفوا من كلامنا وحكاياتنا ونكتنا وهزارنا وشغلنا وتعليقاتنا والمزيكا اللي بنسمعها إحنا مين.. مش محتاجين يشوفوا البطاقة ولا يسألوا على الاسم ثلاثي ولا يشوفوا صليب مدقوق على الإيد أو زبيبة صلاة واضحة.. الناس ما بقيتش بتُحكم على اللي بنقوله حرفيا في كلامنا لأن أغلبنا بيقول كلام لطيف.. أغلبنا بيستند على تعاليم جميلة وسامية لمعتقدات دينية مختلفة.. لكن رادار الناس بيعرف يُلقط إشارات تاني.. يعرف يشوف من الإشارات دي عيشتك شكلها عامل إزاي.. تقييمك للدنيا والشغل والحب والرحمة شكله إيه..
إنت مش محتاج تشوفني داخل مسجد أو كنيسة أو معبد أو مكان صلاة.. مش محتاج تسمع مني آيات عن الرحمة والحب والمودة والتسامح.. ومش محتاج تلاحظ علامة معينة في لبسي أو أكلي أو صورة متعلقة على الحيطة أو برنامج أذكار أو آيات على تويتر.. لكن عُمره ما كان صعب إن حد يبان عليه لو هو مجرد "متديّن".. ممارس لطقوس جميلة وكويسة.. لكنه يمكن مش "مُتقن اللغة".. اللغة اللي بيها كلامه مختلف.. تعليقاته مختلفة.. توجهاته غير باقي الناس..
تُهمة بيتكلموا مسيحي دي ماطلعتش حاجة وحشة ولا حاجة..


Tuesday, March 26, 2013

سعادة تفصيل

يوم 20 مارس احتفل العالم بيوم السعادة العالمي.. ماشفتش ولا قريت عن مظاهر الاحتفال في الأماكن المختلفة من العالم لكن افتكرت وفكّرت في حال كتير مننا لما بتيجي سيرة السعادة والتفاؤل والبهجة والحاجات دي.. أغلبنا زهق من الكلام عن السعادة لأننا زي ما يكون كده ارتضينا إن فيه نوعين من الناس: ناس حظها تعيش سعيدة.. وإحنا. واللي مش سعيد في الموضوع ده إن في أوقات كتير عندنا إحساس إن "فُلان أكيد مبسوط" أو "أنا لو مكان فُلانة لازم أبقى طايرة من الفرح".. لكن بتيجي المفاجأة إن مافيش حد طاير ولا حاجة.. إلا يعني من بعض الأمثلة لناس بنشوفها مبسوطة في مواسم كده.. كل فين وفين لما بنلاقي حد ونقدر فعلا نقول إنه كان مبسوط.. ونلحقه على طول ب"خير اللهم اجعله خير" أو "إيه الحكاية؟ شكلك مبسوط يعني النهاردة"..
ولأننا غالباً بدأنا في سن معين كده نحس إننا المفروض بقى ناخد دور البني آدم الجد.. وقت الهزار والانبساط خلص وبدأنا "الحياة العملية" زي ماتكون جملة "الحياة العملية" دي هي المرادف بتاع "النكد" أو"شيلان الهم"..
نسينا حتى هي إيه السعادة.. ما عملناش حساب إنه لو يوم من الأيام صحينا و"خير اللهم اجعله خير" بقينا من الناس إياها اللي "مكتوبلها" الانبساط هانبقى عاملين إزاي.. ما نعرفش..
قادرين نميّز السعادة في حاجات قليلة قوي.. غالبا ليها علاقة بالأطفال.. اللي ساعات بنشوف فيها بعض "العبط" لأنهم مبسوطين بحاجات هايفة.. شبطانين في لعبة قديمة أو عروسة شكلها غريب ومبسوطين.. ولأن مجتمعاتنا بتصعّب علينا الموضوع عن طريق أوهام لسعادة "معلّبة".. سعادة "موصوفة".. "مرسومة".. كل اللي عايز يبقى سعيد لازم يبقى متجوز ومخلّف طفلين وبيروحوا يصيفوا في المكان الفلاني وبياكلوا الأكل العلّاني.. وأنا مش مستغرب من ده لأنه صورة من صور محاولات المجتمع إنه يحطنا في قوالب.. في علب.. (غالبا هي دي ظاهرة "العولبة")..
المهم إني اكتشفت إن فيه حاجات بتبسطني.. و"خير اللهم اجعله خير" برضه ممكن تكون حاجات مش في قاموس المجتمع.. وقررت إن مش شرط أمشي على قاموس المجتمع.. ومش شرط أستشير المجتمع في إيه اللي ممكن يبسطني..
مزيكا حلوة ووقت كويس مع ناس بأحبهم وكتاب ممتع ومسلسل لطيف.. ماشي.. كلها حاجات كويسة.. بس يمكن تكون قوالب جاهزة.. اللي ناوي أعمله إني أركز في السعادة التفصيل.. السعادة اللي ممكن تكون صعب تتشرح لحد تاني.. صعب تتسرق.. وصعب تتفهم..
السعادة التفصيل هي اللي بتخليني أفرحلك لما تلاقي حاجة تبسطك.. من غير ما أحس جوايا إني يا خسارة ماعنديش الحاجة دي.. أصلها مش هاتكون مقاسي.. سعادتي هي قراري إني أشوفني مبسوط وأتلكك إني ألقط الحاجات اللي بتبسطني وأعملها..


Tuesday, March 19, 2013

نُص الكوبّاية

دعوات التفاؤل في أحيان كتير بتستخدم فكرة "نُص الكوبّاية" عشان تعبّر عن إن ينفع الواحد يبُص على الحاجة الإيجابية بدل ما يشتكي من باقي الكوبّاية الفاضي.. وعلى الرغم من رجاحة الفكرة (حلوة "رجاحة" دي) إلا إن فيه مغالطات كتير بتحصل كل ما بنقيّم كوبّاية على إنها نُص مليانة..

عايشين بقالنا فترة بنُص كوبّاية.. وعلى الرغم إن بعض الناس اللي ممكن يسمّوهم متشائمين شايفين إن حتى نُص الكوبّاية مش موجود.. وغيرهم اللي شايفين إن الكوبّاية نفسها اتكسّرت من فترة إلا إن افتراضنا إن نُص الكوبّاية "كفاية" و"أهو يمشّي مؤقتاً" هو افتراض من وجهة نظري ساذج..

ليه؟ لأن ببساطة إذا إنت ماعندكش ميّة تكفّي الكوبّاية استخدم فنجان يا أخي!.. لكن إصرارنا على نُص كوبّاية إصرار بيودينا في دواهي (كذا داهية يعني).. نُص ديمقراطية (صناديق تقول كلمتها وطوابير).. نُص أمن.. ونُص تعليم.. ونُص صِحة.. ورُبع زتون!.. ببساطة تهريج..

اللي ممكن يكون ملفت الكام سنة الأخيرة دي هو كمان نُص الكوبّاية بتاع المعرفة.. كل واحد قراله مقالة أو دوّر على معلومة على جووجل (أو "غووغل" عشان لو قريب حد هنا ولّا حاجة) أو سمعله حلقة في برنامج بقى عارف كل حاجة عن الاقتصاد والجواز والعلاقات الدولية والأمراض النفسية وإحساس كبار السن والمثلية الجنسية!.. ولأن المخ عنده الميل (اللي المفروض إنه ميل طبيعي) إنه "يقرّب" المُعطيات اللي جايّاله لأقرب تفسير عنده فكتير مننا بنُقع في مشكلة إننا بنستنتج ونحلل ونقارن ونقرر بسرعة.. في مقابل إن لو المخ اتعرض لمُؤثر جديد تماما أو لمؤثر مالوش شبه في المخزون اللي عنده عادة بنميل إننا نستفسر ونحاول نلاقي معلومات أكتر عشان نفهم..

فيه تجربة لطيفة عرضوا فيها صورة باين فيها وش لاعيبة تنس وسألوا الناس إيه المشاعر اللي عند اللاعيبة في اللحظة دي.. نسبة كبيرة جدا من الناس قالوا "إحباط" أو "حُزن إنها ضيعت نقطة".. لما عرضوا الصورة كاملة (باين فيها قبضة إيد اللاعيبة) كان باين جدا إن المشاعر وقتها كانت العكس تماما.. إنها كانت مشاعر "سعادة" و"راحة".. كل ده كويس.. لكن اللطيف أكتر إن لما الصورة اتعرضت لناس تاني لكن الصورة كانت بخلفية مش واضحة والكاب مش باين ووش اللاعيبة بس هو اللي موجود الناس رفضت تقول أي مشاعر.. قالوا "قولولنا أكتر هي فين؟ بتلعب رياضة معينة؟ ولّا موجودة في جامعة؟ ولا في الأوتوبيس؟" ..لأن المُخ ما عرفش يقرّب اللي شايفه في الصورة اللي مش واضحة بالمخزون اللي عنده.. لكن المخ في أول تجربة اتخمّ بنُص التفاصيل.. وكان أحسنله إن مايكونش فيه وضوح (فالناس تستفسر أكتر) عن إن التفاصيل تبقى نُص نُص والناس تتخمّ..

نُص الحقيقة ونُص المعلومة ونُص المقال ونُص المعرفة هي طُرق استفزاز.. وعلى الرغم من إن نُص الكوبّاية بيبان إنه "خطوة" وإنه "أحسن من بلاش" إلا إن مرّات بلاش بيبقى أحسن!.. بلاش بيخليني أعرف إني محتاج أبحث في الموضوع وأدوّر فيه..

اعتيادنا على نُص الكوبّاية المليان هو حاجة مؤسفة لأنه لا خلّانا نكّمل نملا الكوبّاية ولا حتى بعنا الكوباية وجبنا كوبّاية أصغر ولا حتى اعترفنا إننا ماعندناش اللي يكفّي..

مش عيب إني بأعرف نُص معرفة لكن لو كل كوبّاياتي أنصاص يبقى بأضحك عليك لو وعدتك إنك تجيلي ترتوي..

Tuesday, March 12, 2013

اللي اختشوا ماتوا

تعبير "اللي اختشوا ماتوا" من التعبيرات المستخدمة كتير في كذا موقف.. والقصة ورا التعبير ده برضه بتُعتبر من القصص القليلة المشهورة لأصل بعض الأمثال والتعبيرات المتداولة..

الحكاية عن حمّام عام (مكان الناس بيستحمّوا فيه) زي ماكنا بنسمع عن "حمام التلات" كده.. المهم إن في أحد أيام التلاتات كان فيه يوم تلات منيّل وقامت حريقة في الحمّام العام ده.. الناس احتارت يا ترى يخرجوا جَرْي من المكان عشان ينفدوا بجلدهم من الحريقة؟ ولّا عيب إنهم يطلعوا يجروا عريانين؟ بس.. خلصت القصة على كده :).. اللي جريوا زي ما هم عاشوا.. واللي اختشوا ماتوا..

أغلب الظن إن استخدامنا الحالي للجملة دي هو العكس تماما.. بمعنى إننا لما بنقول "اللي اختشوا ماتوا" غالبا بنقصد إننا "نترحّم" على أيام كان الناس فيها عندها دم.. كان المسئولين "مسئولين" بجد.. بنترحّم على أيام كانت الناس عندها "خِشا".. كانت الناس بتقدّر وتحترم وتتكسف.. لكن اللي بقالي وقت بأفكر فيه هو التطبيق الأصلي للتعبير ده في الموقف اللي اتقال فيه..

في حياتي حاجات كتير "خايف" أغيّرها.. خايف حتى أفكّر فيها.. حاجات "أختشي" إني أناقشها أو أتحدّاها أو أفكّر في بدايل ليها.. ولأن مرات الخوف و"الخشا" بيبقوا سهلين ساعات بيبقوا سهلين لدرجة إنهم ممكن يموتونا.. ومجتمعنا الحقيقة بيسهل علينا الحكاية دي.. حاجة كده شبه "معقول يا راجل تنزل كده من غير القميص عشان حتة زلزال؟ عيب!"..

إيه اللي في حياتي مكسوف منه لدرجة إني ممكن أموت وماحدش يعرفه؟ إيه اللي في حياتي مش مستعد إني أتحدّاه وأغلبه لأني خايفه هو اللي يغلبني؟

منظري قُدام الناس ولّا حياتي؟ شكلي إني بني آدم مُحترم وكويس ومُلتزم ولّا حياتي؟ أموت مش مهم.. مادام ماحدش يكسفني؟ ولّا أعيش وأعافر في الحياة وأقاوح عشان كل دقيقة إدهالي ربنا أعيشها للآخر؟

خايف أكون مستسهل الموت.. خايف أكون مش مقدّر قيمة الحياة.. خايف إني أخسر كتير لمجرد إني مكسوف إني أواجه ضعفي وإني جوايا عريان ومسكين وبائس بس بأكابر.. مادام ماحدش شايفني في ضعفي.. حتى لو النتيجة إني أموت..

وساعتها الناس اللي عاشت واستمتعت بالحياة بيبقوا هم الناس اللي ما همّهمش يقولوا عليهم إيه لو بيجروا عريانين هربانين من حريقة.. وأما بقى اللي اتكسفوا وخافوا.. واللي غطّوا على ضعفهم.. واللي اختشوا.. ماتوا..