Saturday, November 24, 2012

من أنتم؟


سؤال "من أنتم؟" بقى من الأسئلة الكوميدية المقترنة بديكتاتورية وعدم منطقية وجعجعة على الفاضي.. نكت كتير وفيديوهات وتعليقات وحكايات اتعملت على حكاية "من أنتم؟" دي.. وطبعا لتشابه بعض الظروف الحالية في بلدنا بنفس ظروف من أنتم ..رجع السؤال بكل قوة.. وعلى الرغم من إن الخطابات والشعارات والزعيق كان فيها برضه حاجات كوميدية إلا إن السؤال ده يظل "المفضل"..

السؤال فضائي ومش في مكانه وعفوي وكل حاجة.. لكن على الرغم من إن السؤال يبدو ساذج (أو المفروض إنه يبدو ساذج بسبب الظروف اللي اتقال فيها) إلا إن لو بصينا نظرة أعمق شوية للسؤال نلاقيه سؤال عميق قوي.. بجد..

سهل جدا إنك تسأل حد "إنت مع مين؟" يقولك "أنا مع الثوار طبعا" أو "أنا مع شرع الله طبعا" أو "أنا مع رئيس منتخب طبعا" أو "أنا مع الحق" أو ممكن حتى يرد بإنه مع فكرة معينة زي عزل قاضي أو رئيس أو طبيب أو مدير أو نائب عام فاسد..

وأسهل جدا إنك تسأل حد "طب إنت ضد مين؟".. هايقولك "أنا ضد اللي خان" أو "عمري ما أحط إيدي في إيد فلول" أو "عمري ما أتحالف مع نظام قديم" (قال يعني حُوش النظام الجديد اللي بيدلدق في كل حتة) وغيره من "أعداء" سهل جدا نميزهم ونقول يستحيل نبقى معاهم..

لكن ييجي السؤال الكوميدي اللي يكاد يبكّي.. "إنت مين؟".. لما تحب تعرّف نفسك في جملة واحدة تقول إيه؟..

حد من أصحابي حاول يسهّل السؤال ده بأقصى طريقة وإدّى الناس مجموعة من "الانتماءات" وقالهم يرتبوها.. حاجات زي "مصري" و"عربي" و"أفريقي" و"مسلم - مسيحي" و"أهلاوي - زملكاوي".. وطبعا كمية الإجابات المختلفة لو دلت على حاجة فهي بتدل إن السؤال صعب جدا.. صعب إني أقول أنا مين قبل مين..

في التدريبات للمديرين ورجال الأعمال وغيرهم فيه حاجة اسمها "خطبة الأسانسير" أو Elevator Speech وهي عبارة عن الكام جملة اللي بتعرف بيهم نفسك لما يبقى بس قدامك يمكن أقل من دقيقة وإنت في الأسانسير مع عميل جديد أو حد ممكن تعمل معاه شغل في المستقبل.. ماعندكش ساعة ونص تقول فيهم للناس إنت مين وإيه المشاريع اللي عملتها.. ماعندكش حتى نص ساعة تقولهم بصوا على LinkedIn بروفايل بتاعي عشان تعرفوا أنا عملت إيه..ماعندكش ساعتين تقعد تخطب فيهم قدام أهلك وعشيرتك وتحكي وتعيد وتزيد وتألف كلام جديد.. كل اللي عندك جملة أو اتنين تقول فيها إنت مين..

صعب قوي.. سؤال مش سهل.. ولازال السؤال عن هويتي وهويتك سؤال محير..

ماحدش عايز يتقال عليه فلول ولا نخبة ولا بلطجي ولا إخوان ولا نظام قديم ولا أقباط مهجر ولا برجوازي ولا ثائر مثالي ولا شباب مغيب ولا أولاد مغرر بيهم.. لكن مش كتير مننا قادرين في جملة أو اتنين نقول إحنا مين ونفسنا في إيه للبلد ولو كل حاجة متاحة بنحلم بإيه...

كل اللي أقدر أعمله دلوقت إني أراجع نفسي وانتماءاتي وأحلامي.. أنا مين؟ إيه اللي بيميّزني؟ إيه الحاجة اللي باعتبرها أغلى حاجة في شخصيتي؟

الراجل غلط كتير في الخطب اللي كانت بالساعات وحكاية الجرذان وبيت بيت زنجة زنجة وارقصوا وافرحوا وكل الحاجات دي.. لكن كان معاه حق في سؤال "من أنتم؟"

Saturday, November 17, 2012

كلنا هانموت


بكا وحسرة وألم على شباب وأطفال بيموتوا.. بيموتوا كل يوم.. وعلى الرغم إن تشكيلة الأسباب مختلفة لكن الحاجة المشتركة إن ناس بتموت.. سواء واحد نازل مظاهرة أو رايح يتفرج على ماتش كورة.. داخل مستشفى يتعالج  أو بيعدي الشارع أو بياكل أكل ملوث أو بيقضي عقوبة في السجن أو راكب قطر أو راجع من مدرسته.. أو.. أو.. التشكيلة متنوعة..

لكن المؤلم مش بس إحساس الأهل في مصيبة فقدان حد بيحبوه لكن المصيبة في التمن.. المقابل اللي الحكومة ممكن تكون بتدفعه لأسرة واحد مات..ال4000 ولّا ال 200000 جنيه مش بس بيورّونا تمن الموت لكن أعتقد إنهم بيكشفوا عن قيمة الحياة...

والسؤال ياترى هو الموت سنة الحياة؟ ولّا سنة الحياة هي الحياة؟ ياترى لما صلاح جاهين سأل "الأصل هو الموت ولّا الحياة؟" ماكانش عارف الإجابة؟

عمرنا ماهانقدر نفهم الموت غير لما نعرف يعني إيه حياة.. يعني إيه عيشة.. يعني إيه بني آدم اتخلق على أحسن صورة من إله قرر يدّي عمر وحياة لمخلوق ضعيف.. قرر يدّي روح تعيش للأبد عايشة مؤقتا في جسم ضعيف.. يمكن وقتها نقدر نعرف لو ال4000 جنيه كفاية!

هي إيه العيشة؟ ويعني إيه واحد عايش؟ آكل وأتجوز وأخلف عشان عيالي ياكلوا ويتعلموا ويتجوزوا ويخلفوا.. (ولو واحد منهم مات آخد ال4000 جنيه وأأكل الباقيين عشان يكبروا ويخلفوا و..و..و)

لما نفهم يعني إيه حياة ويعني إيه إن خالق الكون كله اختار إنه يوهب روح للإنسان وإنه سبحانه يسمح للإنسان ده إنه يكلّم الخالق ويفهمه ويكوّن عيلة واحدة فيها حب وود مع الخالق سبحانه.. ممكن وقتها بس نفهم الموت.. ويمكن وقتها نعرف لو الموضوع يستاهل نطوّر المستشفيات والسكة الحديد والأكل والمدارس ولّا عادي بما إن "كلنا هنموت"؟

هو طبعا كلنا هنموت..بس مش معنى كده إن كلنا لسّة عايشين..

Saturday, November 10, 2012

ربنا معانا

"ربنا معانا" من الجُمل اللي المفترض تكون حلوة.. جملة ممكن نستخدمها عشان نشجع بعض.. جملة بنحمس بيها بعض لما نحس إن الظروف صعبة أو الامتحانات قربت أو الإنترفيو متوقع يبقى مش سهل.. إلا إن واضح إن تخيُّلنا لأبعاد "ربنا معانا" فاق كل حدود محاولة التشجيع وتطمين الغير.. "ربنا معانا" بقت مالهاش دعوة "بالتطمين" خالص.. الجملة دي اتحولت بطريقة غريبة لجملة تحمل كل معاني التهديد..

"ربنا معانا" هو المبدأ اللي بيه دُوَل نختلف مع سياستها قررت تحتل أرض ناس تانيين عشان "ربنا" وعدهم بالأرض.. ومهما الشعوب التانية تتناقش في فكرة احترام مواثيق دولية أو تقدير لفكرة إن فيه ناس تانية عايشة في المكان ده مش فارقة.. "ربنا معانا".. وطبعا في الحالة دي الدُول دي عادة بترفض أي محاولة للإشارة "لرمزية" الوعد.. أو لإمكانية تحقيقه في زمن مختلف عن العصر اللي إحنا فيه.. تيجي قدام جملة "ربنا معانا" وماتقدرش تفتح بُقك.. ممكن تشجب وكل حاجة لكن أكتر من كده مافيش..

"ربنا معانا" هو نفس المبدأ اللي بيه دول تانية حاربت بلاد قالوا إنهم بيخططوا لتدميرهم.. حاصروهم اقتصاديا.. سابوا أطفال وشباب وستات ورجالة وكبار وصغيرين يموتوا من العيا والجوع والرصاص.. وفي كل ده كان "ربنا" معاهم..! ضد "الإرهابيين" أو ضد "الدكتاتور" أو ضد "النظام القمعي"..

"ربنا معانا" هو لسّة نفس المبدأ اللي لغاية النهاردة مجموعات بتسمي نفسها مجموعات دينية متمسكة بيه.. المبدأ اللي الجماعات دي بتنادي إنه بما إن "ربنا معانا" فإحنا هنقولكم المفروض تعملوا إيه.. هنقولكم إيه الصح والغلط  والحلال والحرام والحلو والمستحب والمرغوب.. هنقولكم إيه هو المنكر واللي يزعّل "ربنا" (اللي هو طبعا "معاهم").. مش بس هنقولكم لكن غصب عن عينك هتعمل الحاجة الحلوة عشان ربنا يرضى..


منطق غريب.. غرابته مش بس في محتواه.. لكن غرابته كمان في إننا عارفين نشوفه لما بنبقى في دور المظلوم.. لو دولة احتلت أرض دولة شقيقة باسم الدين.. أو لو دولة تانية حاربت وقتلت ناس من دولة شقيقة باسم الدين وبمساندة "ربنا".. لكن بنستصعب نشوفه في تصرفاتنا الشخصية أو تصرفات جماعات بننتمي ليها..

جُمل كوميدية على غرار "الحمد لله رزعته قلم طيّر عينه اليمين!" أو "دعيت عليه دعوة وإن شاء الله يتشل أو يجيله الجُدري!"..

كما لو إن ماينفعش يكون "ربنا معانا" إلا لو "ضد ناس تانية".. لازم مساندة ربنا تبان في ناس أعرف أحتلهم أو أموتهم أو أشوفهم بيولعوا من إعصار أو بركان أو أقلع عينيهم.. وبيبدأ يتحول "الأمان" والإحساس بالاطمئنان اللي لأول وهلة بنحس بيهم مع جملة زي "ربنا معانا" لرغبة في "تأديب" اللي مش عايز يمشي بما يُرضي الله.. رغبة في انتقام من بشر بنحس إن إحنا محظوظين كفاية إن ربنا معانا إحنا "ومش معاهم".. أمّال إيه يعني لازمتها لو ربنا معانا ومعاهم هم كمان؟! إحنا عايزين "نكسب" و"نورّيهم" مين اللي على حق!..

أفضل ليّ إني أكون أنا اللي مع ربنا.. أنا اللي أروح للمكان والسياق اللي يرضيه.. مش يكون هو اللي معايا..مش أروح أقرر أحارب فأستخدم قوته.. مايكونش هو سبحانه مجرد "وسيلة" لقهر أو مذلة ناس تانية.. مجرد "طريقة" "أثبت بيها" إني أقوى منك.. أو معايا حق وإنت مابتفهمش..

إذا كان بجد ربنا معانا مش مفروض يبقى فيه حد ضدنا.. ربنا اللي معانا يقدر ينصرنا على ضعفنا وتقصيرنا وخوفنا.. يقدر يساعدنا نساعد ونشجع.. يقدر يكون لمسة الأمان والأمل اللي بيقدمها للبشر من خلالنا..

لازلت مصدق إن سهل جدا إن يكون ربنا معانا.. لو قررنا نبقى معاه.. مش لو قررنا نهدد غيرنا بإن ربنا معانا..

Saturday, November 3, 2012

مسعود

وقت ما كنت بأسافر كتير بالقطر من القاهرة لإسكندرية أو الصعيد كان فيه مرات كتير بيبقى نهاية "الموسم" بتاع لم الفلوس عن طريق "معونة الشتا".. وكان فيه كده ورقة صغيرة مع كل تذكرة.. الورقة كانت ب50 قرش... المعتاد إن كان مع كل تذكرة الراجل بيدّيك 4 ورقات (يعني 2 جنيه) زيادة عن تمن التذكرة.. طبعا كل موظف قُدامه دفتر كده محتاج يخلصه وعلى قد ما يقدر يخلص من "ورق التبرعات" كل ما يكون كويس..

الثقة اللي الموظف بيقولك بيها على سعر التذكرة (التمن الفعلي للتذكرة زائد ال 2جنيه تبرع لمعونة الشتا) بتخليك متأكد إنه هو ده النظام.. والراجل أهو بيديك الورق اللي عليه التمن بالظبط ومش مفروض يبقى فيه مشاكل..

لكن مرّة من المرات بصيت كده في ورق معونة الشتا لقيت مكتوب عليه حاجة بمعنى "معونة شتاء- تُحصّل مع كل اشتراك أو فرق تكييف" يعني لو معاك اشتراك في القطر (عادة بيبقى درجة عادية أو لو عايز تدفع فرق التكييف وتركب القطر المكيف).. الشرطين دول ما كانوش بينطبقوا على التذاكر اللي بأشتريها.. وبعدين مش مكتوب أي حاجة تدل على إنهم أكتر من ورقة واحدة (50 قرش) مع كل اشتراك أو فرق تكييف.. الأنيل من كده إن ورق المعونة ده كان مكتوب عليه تاريخ منتهي! فالحقيقة قررت إني أستخدم مهاراتي في القراية وأقول للموظف إني مش عايز "أتبرّع" (غصب عني) خصوصا إني مش اشتراك ولا فرق تكييف وخصوصا إن التاريخ اللي على ورق المعونة ده كان من كام شهر.. حسيت إني مش هأوصل لحاجة فكنت دايما أقاوح مع الموظف بعد ما أكون أخدت تذكرة القطر وأحاول أفهمه إني مش هأدفع ال 2جنيه الزيادة ومش عايز "أتبرع"..

لفتت نظري فكرة عمل الخير "الإجباري" دي.. التبرع اللي غصب عنك.. اللي هو نظام "اعمل يا أخي حاجة كويسة في حياتك وإلا مش هنبيعلك تذكرة القطر"..

والحقيقة الحكاية دي مش بس في "التبرع وإذا كان عاجبك" في القطر.. لكن موجود في المدارس "ياللا ياولاد كلنا هانساهم عشان نزين الفصل" وطبعا يا ويله اللي مش عايز "يساهم".. (إيه ده؟ إنت مش ناوي تساهم؟.. بُص هو مش إجباري.. بس لازم!!)

الموضوع ده واخد أبعاد أكبر في مجتمعنا في حاجات تبعد كل البُعد عن مجالات ينفع فيها التبرع.. لما الميّة تتقطع في البيت من غير إنذار أو لما الطرق تبقى على طول واقفة ما ينفعش لسان حالي يبقى "أهو عشان أحس بالناس اللي ماعندهمش ميّة خالص" أو "كويس إن الواحد عنده عربية" لأن الفكرة ببساطة إن جزء كبير من التضحية والتبرع والمساهمة هو إن يكون عندك "الاختيار"...

إذا بتحب خطيبتك لأن مافيش بنات تاني, مش متهيألي دي نُقطة ليك.. ومش قادر أفهم لغاية دلوقت مطلع أغنية "لو واحد في المليون ومافيش غيرك في الكون... هاأحبك".. وهو إنت عندك اختيارات؟ بيقولّك مافيش غيرك في الكون!

مافيش أي منطق يخليني أشعر بالفخر والسعادة والرضا إني "اتبرعت" لمعونة الشتا طول ما أنا دافع غصب عني.. وإذا إحساسي وأنا بأساهم عشان "نزين" الفصل هو إحساس "شالله ما عنه اتزيّن.. أنا جاي أتعلم مش أزين" يبقى التبرع والمساهمة والمشاركة هم مجرد نوع من الضريبة اللي مضطر إني أدفعها بشكل مختلف عشان أموري تمشي.. بمعنى إن لو في حالة إن عندي اختيار إني ما أدفعش وقررت ما أدفعش إذاً "التبرع" ما كانش حقيقي..

النهاردة وإحنا فاكرين إن قطع المية أو زحمة المواصلات أو حرقة الدم مع بعض موظفين الحكومة هي "تبرعات" و"تضحيات" بنقدمها وإن "المفروض نبوس إيدنا وش وضهر" وإن "فيه ناس مش لاقية كل الخير ده" يبقى إحنا بنضحك على نفسنا..

وأنا بأضحي أنا بأختار.. لازم يكون عندي اختيار إني أعمل أو ما أعملش الخير عشان وقتها يبقى فعلا خير.. الفكرة مش بس في الفعل لكن في الدافع اللي وراه.. "مسعود" في مسرحية "المتزوجون" لما مراته بتشكره إنه أنقذها.. كان رده "أموت وأعرف مين اللي زقّني!" اللي في حالة مسعود ماعندوش اختيار إنه يعمل الخير أو مايعملوش..

الشعب اللي مُجبر على عمل الخير هو شعب "مسعود" بتاع المسرحية.. لكنه أبعد ما يكون عن أي سعادة حقيقية نابعة من اختيار حُر إني أقدم تضحية أو مساعدة في حين إني عندي الحرية إني ما أعملش كده..