Saturday, October 31, 2015

ما بقيتش تفرق


نغضب؟ عادي! كلنا بجيلنا وقت وبنكون غضبانين.. ساعات من العشم وساعات من معرفتنا إن أمور كتير ممكن تكون أحسن.. وساعات من توقعات لحاجات كانت المفروض تمشي بطريقة معينة.. الغضب من شخص أو الغضب بسبب حاجة حصلت مش هو آخر الخط.. الغضب مش هو أوحش حاجة ممكن تكون بتحصل.. أوحش من الغضب هو إن الموضوع يبقى مش فارق معايا.. أبقى "رامي طوبة" الشخص أو الموضوع للدرجة اللي فيها أبطَّل أغضب أو أتغاظ أو أتضايق لما الموضوع يضايق..

سمعنا كتير كلام من أمهاتنا عن حب واهتمام الأب وإنه "بيزعَّق عشان بيحبك" أو إنه "متضايق عشان خايف عليك"، أو إنه "بيقول كده عشان عايزك تكون أحسن منه"، ومرات كتير كنا بنرفض ده، ونحس إن الغضب والضيق والزعل مالهمش علاقة بالاهتمام أو الحب..

لما بأبص حواليَّ دلوقت، كتير بأتضايق إني مش متضايق! كتير "بيحز في نفسي" (حلوة بيحز في نفسي دي) إن مواضيع كتير ما بقيتش تفرق.. حاجات كانت في وقت بتفرق، حاجات كانت في وقت مهمة جدا، بقت دلوقتي "عادية"، لا تبسط ولا تضايق.. كأنها مش موجودة..

مواضيع كتير بقت عاملة زي حملات لحماية حيوان ماسمعتش عنه قبل كده من الانقراض.. أزمات في دول مش عارف مكانها على الخريطة.. نجاحات أو استثمارات أو إخفاقات أو مشاريع لناس ما أعرفهمش.. لكن الفرق إن المواضيع اللي ما بقيتش فارقة دي مواضيع قريبة.. لناس قريبة.. لبلاد قريبة..

في نمو وتقدم الشعوب المصيبة مش لما الشباب يغضب ويثور.. المشكلة مش لما الشباب يتكلم كتير ويحاول يقول رأيه.. المشكلة مش لما الشباب يعمل مشكلة.. مش لما يبقى متحمِّس زيادة، ولا لما يكون "مش عاجبه العجب".. المشكلة الحقيقية لما يبطل يعمل كده.. لما يرمي طوبة مؤسسة أو طوبة السياسة أو طوبة أي أمل في أي حاجة في أي حتة.. لما الموضوع يوصل لدرجة من فقدان الأمل لدرجة إنه يبطل يتضايق..

مش كل واحد "مش متضايق" مني يبقى مبسوط!.. ممكن يكون "لا متضايق ولا مبسوط" ولا الموضوع فارق!

بعضنا بيتحرَّك مش بس ناحية إنه يخللي الناس تغضب أكتر، لأ، ده بعضنا بيتحرك لناحية أوحش، للدرجة اللي فيها الناس تبطل تغضب أو تتبسط، مش بسبب إن المشاكل اتحلت ولا إن الأمور استقرت، لكن لأنها ما بقيتش تفرق!

Saturday, October 24, 2015

جيت على بالي

إحساس حلو لما حد يقولك "جيت على بالي إمبارح" أو "حلمت بيك" أو "كنا بنتفرج على فيلم وافتكرتك" أو "شفت باقي أصحابنا وكنا جايبين في سيرتك".. إحساس إنك "على بال حد" أو إن ممكن مواقف معينة تفكر أصحابك بيك إحساس جميل، وجزء من جماله إنه في معظم الأوقات بيكون تلقائي.. اللي بيقولك كده (في معظم الأوقات برضه) مش مضطر إنه يقولك كلام كويس.. مش بيجاوب على سؤال إيه رأيك في فلان، ولا بيحاول إنه يجاملك وخلاص..

في المقابل هانلاقي ناس بتلومنا إننا مش فاكرينهم.. بيعاتبونا (من عشمهم) إننا مش "بنيجي في بالهم".. مش بنسأل عليهم.. مش فاكرينهم.. وردودنا غالبًا ردود حزينة في نفسها ولا ليها معنى.. "كنت مشغول قوي الوقت اللي فات".. "إزاي بس يا راجل، ده أنا كنت لسة هاكلمك" وغيرها من الردود المفقوسة!

لو بييجي على بالي سؤال هو ليه الناس مش بتفتكرني أو مش "بآجي على بالهم ليه" فده مش سؤال غريب ولا حاجة.. ولا اللي بيسأله عنده "نقص" ولا "عقدة" ولا حاجة.. حلو إننا نتمنى نكون متواجدين في ذاكرة حبايبنا.. متاحين في فكرهم.. بنيجي على بالهم من وقت للتاني من غير ما نضطر نلوم ونعاتب ونحسب مين آخر واحد فينا اتصل.. السؤال نفسه عادي.. لكن بعضنا بيقرر إنه عشان الناس تفتكره محتاج يسمم عيشتهم ويحسسهم بالذنب! وفيه نوع تاني بيقرر إنه "يستثمر" في العلاقات القريبة.. يدفع وقت ومجهود واهتمام.. يبذل شوية جهد علشان ابنه أو بنته أو مراته أو جوزها أو أصحابه أو الناس اللي معاه في الشغل يفتكروه وييجي على بالهم بالخير..


لما بأستثمر في الصداقة وباسافر مع أصحابي أو بنخرج أو بنتفرج على مسرحية أو ماتش إحنا بنبني سياق مشترك.. حاجة متبادلة ممكن في المستقبل تفكرنا ببعض.. لما بأستغل الفرصة اللي فيها ممكن "أكوِّن ذكريات" أنا بأستثمر للمستقبل اللي فيه الذكريات دي غالبًا هاتكون بتقرب الناس من بعض وبتخليهم ييجوا على بال بعض لو حد فيهم افتكر حاجة أو مر بموقف ليه علاقة بالذكريات دي..

المزيكا اللي عملتها مع أصحابي بتفكَّرني بيهم.. والمسرحيات اللي حافظينها، والشغل اللي عملته مع زمايلي، والأماكن اللي رحتها، والصور اللي أخدناها، كلها فرص مش بس للاستمتاع بالحاجة وقتها، لكنها كمان فرصة لبُنا أرشيف ذكريات يقرَّبني من ناس بأحبهم.. ويخلينا نيجي على بال بعض..

Saturday, October 17, 2015

الاسم مش غريب

ليه نُص المعرفة أوحش من زيرو معرفة؟ ساعات كتير بنُستفَز لو بنتكلم مع حد وبنحس إنه "عامل" إنه فاهم.. والاستفزاز ممكن يزيد لما يبدأ يستخدم مصطلحات وكلمات معقدة وشكلها كبير لكن معناها غلط أو استخدامها مش في مكانه..

الخدعة مرَّات كتير بتكون في إني أبقى عارف "المصطلح" أو "التعبير" أو "اسم المشكلة" من غير ما أكون عارف وفاهم بعمق.. وقتها معرفتي للاسم بيبان إنه معرفة بكل حاجة تبع الموضوع.. وعشان كده بنلاقي ناس كتير عندها قدرة على الإقناع لمجرد إنهم بيقولوا كلام كبير.. يعني مثلًا في مناقشة عن قلق الواحد من المستقبل تلاقي واحد قال "ده اللي بيسمُّوه في الطب النفسي القلق المرَضي".. وطبعًا أي كلام هايقوله بعد كده هايبان إنه كلام صح (بما إنه يعني قال اسم الظاهرة)..

ويمكن ده اللي بيخلينا على المستوى الاجتماعي نحس إنه مش كفاية إنك تقول إنك تعرف فلان إلا إذا كنت عاشرته وشفته بيتصرف إزاي.. فهمته بطريقة عميقة.. مش بس تعرفه يعني تعرف اسمه..

تصنيفاتنا السريعة ممكن تخلينا أنصاف متعلمين.. محاولتي طول الوقت إني أول ما أسمع موضوع إني أحط العناصر بتاعته في القوالب والمسميات بتاعتها ممكن تديني إحساس واهم بالفهم.. إحساس إني بما إني عرفت "التشخيص" يبقى أنا عرفت كل حاجة عن الموضوع بالعمق الكافي..

ده حال اللي بيقرا نُص كتاب، واللي بيسمع نُص خبر، واللي بيحضر نُص المحاضرات.. غالبًا بيكون سمع "المسميات".. قرا "جدول المحتوى".. الفهرس! وطبعًا بقى فاكر إنه عارف كل حاجة عن الموضوع.. وطبعًا ممكن يُضاف للموضوع بعض المراهقة الفكرية.. حماس إني عارف حاجات كتير.. إحساس إني عارف الاسم العلمي للموضوع اللي بيتكلموا عليه..

بأفكر نفسي مرات كتير إن الحاجات اللي عارفها ممكن تكون في خانة الفهرس.. مجرد عناوين.. أسماء.. بدايات كويسة لكن محتاج أتمعَّن فيها لو ناوي "أتفلسف" أو أبقى "فاهم بجد".. غير كده ممكن أعمل نفسي فاهم.. زي لما يسألوني عن حد إذا كنت أعرفه أو لأ، وإجابتي تكون "الاسم مش غريب".. قال يعني مادام عارف الاسم يبقى عارفه!

Saturday, October 10, 2015

اللي مالوش كبير

بنقول إن اللي مالوش كبير يشتريله كبير، والحقيقة أنا مش متأكد إن فيه إجماع على الغرض من إن الواحد يكونله كبير، لكن الاحتمالات هي إن الهدف إن الواحد يلاقي حد "يتشرَّف" بيه أو حد "يحميه"، لكن فيه جانب تاني مفيد من إن الواحد يكونله كبير، وهو إن الواحد يلاقي حد "يحاسبه" و"يتحداه عشان يكون أفضل" و"يتابعه".. حد يكونله الحق في إنه يسألني ويحاسبني..

أزمات كتير سواء على مستوى العائلات أو في الشغل أو ساعات على مستوى دول بترجع للمشكلة دي.. الزوج مثلًا بقى هو الكل في الكل ومالهوش كبير، بمعنى إن أبوه أو حماه أو عمه مش موجودين وعشان كده ممكن فكرة إن حد يحاسبه أو حد يراجعه في اللي بيقوله أو بيعمله تكاد تكون مش موجودة.. اللي مننا بيشوف كتير من رجال الأعمال أو رواد الأعمال (entrepreneurs) ممكن يلاحظ الحكاية دي.. رائد الأعمال ده مبسوط بفكرة إنه الكل في الكل، وممكن طبعًا يكون معاه فريق عمل وزمايل وكل حاجة، لكن فكرة إن ما فيش حد أعلى مني مش دايمًا فكرة إيجابية..

أزمات كتير على مستوى الدول ممكن تقل لو المنظومة مترتبة بشكل يكون كل واحد له كبير.. كل حد فيه حد أعلى منه يحاسبه.. يكون ليه الحق في إنه يسأل أنا بأعمل كده ليه.. يكون بيتحدَّى دوافعي.. مش شرط يكون بيجبرني أعمل اللي هو عايزه، لكن أكون عارف إنه في أي وقت من حقه يسألني.. مش لأني "كويس" و"مرن"، لكن لأن دوره كده..

عشان كده اللي مالوش كبير لكن يتمنى إنه يكون بيمشي في سكة أفضل يمكن يكون محتاج يشتريله كبير.. اللي مالوش كبير محتاج يكون عنده دواير في حياته هو فيها مش الكل في الكل.. مش الريس.. مش النجم.. مش أهم واحد.. مش أشطر واحد.. دواير يكون فيها واحد عادي من الناس.. نفر وسطهم.. دواير يكون فيها حد عنده الحق إنه يحاسبه ويتابعه ويسأله.. وممكن يوبِّخه ويطلب منه تعديلات..

الزوج والزوجة اللي مالهمش كبير ممكن يكون جوازهم معرض لمشاكل أكبر وأكتر.. لكن لو ليهم أب أو حما أو عم أو مرشد نفسي أو عيلة تانية أكتر خبرة منهم ممكن يكونوا بيوفَّروا على نفسهم مشاكل كتير..


لو في حياتي دواير أنا فيها مجرد نفر فغالبًا فرصي في إني أكون إنسان أفضل هاتكون فرص أعلى.. لسبب بسيط إنه الأعلى مني ليه الحق في إنه يوجهني ويقدم تعليقات على شغلي أو دراستي أو تصرفاتي من غير ما يحس إنه بيضايقني..

مش كفاية إن يكون عندي ناس على نفس المستوى من المسئولية.. أصحاب أو زملا مثلا.. مهم إن يكون في حياتي ناس "أكبر" مني ليهم الحق في التعليق على اللي بأعمله.. ليهم الحق في إنهم يقولوا كلام سلبي أو إيجابي عليَّ.. ليهم الحق الطبيعي في تقييمي.. مدرسين أو مديرين أو مرشدين أو دكاترة نفسيين.. ناس على المستوى الرسمي أعلى مني في التسلسل الوظيفي أو الحياتي.. أخاف لو بقيت كبير قوي لدرجة إن ماليش كبير..

Saturday, October 3, 2015

كدبة جميلة

قصة مش متأكد من صحتها بتحكي عن إديسون المخترع لما كان طفل ورجع من المدرسة ومعاه جواب قالوله يديه لأمه.. أمه فتحت الجواب عشان تقراه، وقريته بصوت عالي لإديسون وهي متأثّرة "ابنك عبقري، ومدرستنا صغيرة قوي عليه.. من فضلك علِّميه بنفسك".. وتفوت السنين وبعد ما الأم ماتت وإديسون بقى شخص معروف، كان بيقلِّب في حاجات قديمة في البيت ولقى جواب قديم من مدرسته.. فتح الجواب ولقى كان مكتوب فيه "ابنك مريض عقليًّا ومش نافع في مدرستنا.. من فضلك علِّميه بنفسك"..

الفرق بين الكدب والصدق، بين الغش والحقيقة، مش دايمًا زي الفرق بين الأبيض والأسود.. الأم اللي اختارت تقرا الجواب وتقول عكس اللي فيه كانت بتكدب؟ طب هل الكدب والصدق درجات؟ هي كل موقف بأقول فيه الحقيقة أبقى كده "في السليم"؟ هل الدكتور اللي بيخبِّي التشخيص عن المريض بيكدب؟ هل فيه قيمة مبدئيَّة في فكرة إني أقول الحق مهما حصل؟ إني أقرا الجواب زي ما هوَّ؟

مش عارف! بس اللي أعرفه إني لوقت كتير كنت فاكر إني مجرد إني أختار إني أقول الحق فأنا كده كويس.. كنت بأنسى إني ممكن أكون بأقول الحق لكن التوجُّه اللي جوَّايا هو إني ألوم أو أحرج اللي قدامي.. أو أثبت إني صح.. أو "أريَّح ضميري"!..

الحقَّ اللي بيتقال بتوجهات وحشة هو حقّ! بس حق "وحش".. حق قاسي.. حق بتاع "القضاة" و"القانون" و"الغرامة" و"السجن".. الحقّ اللي بيشجع ويبني مختلف تمامًا.. مختلف في طريقته.. مختلف في تأثيره.. مختلف في التغيير اللي ممكن يسببه..

دي بالتأكيد مش دعوة للكدب.. ولا دعوة لتجميل الحق المؤلم.. لكنها دعوة لإعادة تقييم دوافعي وأنا بأقول الحق.. لو هدفي من إني أقولك الحق إني أكسرك أو أذلك أو أجرحك، هل يشفعلي إن كلامي "حق"؟

أنا مش دايمًا "في السليم" لمجرد إني بأقول الصدق! ياما كلام "حق" اتقال وخلى ناس تنتحر أو تفقد الأمل في الحياة أو تبطَّل تحلم.. آه مهم بأقول إيه، لكن ساعات كمان بيكون مهم بأقول اللي بأقوله "ليه".. 

لو قصة أم إديسون والجواب دي حصلت فعلًا تبقى قصة عظيمة.. ولو كدبة أعتقد إني أقدر أوصفها بإنها كدبة جميلة!