Saturday, July 25, 2015

عيبي إني صريح

مع الأسئلة المبتكرة اللي بتكون في المقابلات الشخصية للوظايف بيبقى فيه برضه أسئلة تقليدية قديمة مستهلكة متَّاكلة قبل كده! "شايف نفسك فين بعد خمس سنين؟"، "ليه المفروض نديك الوظيفة دي؟" وغيرها..

من ضمن الأسئلة دي سؤال إيه مميزاتك وإيه عيوبك، وطبعًا غالبًا الرد على المميزات بيكون ليه علاقة بالإنجازات المهنية، لكن السؤال بتاع إيه عيوبك سؤال غلس رزل! يا ترى أقوله "أنا بأصحى بالعافية"؟ ولا أقوله "أنا بأتغاظ من العميل اللي بيسأل أسئلة كتير"؟، طب أقوله "أنا الحقيقة لما بأتنرڤز بأشتم"؟ ولا إيه؟..

طبعًا أغلب الناس مش بيجاوبوا كده (على الأقل يعني لو عايزين الوظيفة)، وبعضهم بيختار "عيوب" هي مش عيوب خالص.. حاجات مش سلبية لكن مصاغة بطريقة تبان قال يعني وحشة! "أنا عيبي إني دقيق قوي ومايعجبنيش الحاجات النص-نص" أو "أنا طول الوقت بأدور على تحديات جديدة" وغيرها من "العيوب"!

لما أقول إن "عيبي إني صريح" هل أنا بأتكلم عن عيب من عيوبي؟ ولا بأفتخر بحاجة بس بأقولها في شكل إنها عيب؟ "مشكلتي إني طيب"، "بيضايقني من نفسي إن اللي في قلبي على لساني!" والجمل اللي شبه كده ممكن لما نسمعها يكون انطباعنا إنه الشخص بيقول كده وخلاص! عايز يقول تعليق "جارح" أو "وقح" بذريعة "الصراحة" وإنه مسكين "مشكلته الصراحة"..

إيه الفيصل؟ طب مانا ممكن بجد تكون دي مشكلتي! الفيصل هو إني بأعمل حاجة عشان "أعالج المشكلة" لو هي بجد مشكلة! لو "عيبي" إني دقيق بزيادة يبقى محتاج آخد خطوات عشان أصلَّح من العيب ده (طالما إنه عيب ممكن يتصلح).. لو "متضايق من نفسي" عشان "صراحتي" يبقى محتاج أسعى لمساعدة عشان أتدرب إزاي أقول اللي أنا عايزه من غير ما يكسَّر في حد! غير كده يبقى أنا بأصيغ "صفة" أو "سلوك" فيَّ أنا "مش ناوي أغيَّره" في صورة "لطيفة" مقبولة كما لو إني بأنتقد نفسي!

"مشكلتي" تبقى مشكلة لما أبقى ناوي أحلها؛ غير كده هي مجرد جملة فيها "عذر" لتصرف مش مقبول.. 
وساعتها غالبًا اللي الناس بتسمعه هو "أصل أنا بس قليل الذوق" مش "عيبي إني صريح"!

Saturday, July 18, 2015

وأخلي الباقي علشاني


-عمُّو، عايز أربع قزايز كوكاكولا والباقي لو سمحت
=لا يا حبيبي، ما فيش كوكاكولا
-طب والباقي؟

وإحنا صغيرين، لما بنروح نشتري حاجة بيكون غالبًا اتأكِّد علينا كذا مرَّة إننا ماننساش الباقي.. ما نروحش ندِّي الراجل العشرة جنيه وناخد الحاجات ونجري، لأ، لازم نجيب الباقي.. ويمكن عشان كده الولد ده اللي راح يشتري كوكاكولا والباقي كان بيسأل على الباقي حتى لو اللي هايشتريه مش موجود!

لما بنقدِّم تضحيات أو عطايا أو هدايا، أو حتى لو بنقدم زكاة أو عشور أو تقدمات، ساعات كتير بيكون تركيزنا على الكمِّيَّة اللي بنقدمها.. بنشوف القيمة بتاعة الحاجة اللي بنتبرَّع بيها، تمن القميص أو اللبس القديم اللي بنديه لحد تاني يستخدمه، أو حتى تمن الوقت أو المجهود اللي بنبذله وإحنا بنساعد حد..

والمجتمعات المختلفة ممكن تكون وصلت لمتوسطات مختلفة (مبنية على معتقد ديني أو على عُرف اتُّفق عليه) مش بقيمة اللي ممكن الواحد يدفعه، لكن غالبًا بالنسبة المئويَّة للمبلغ أو الحاجة اللي الواحد بيتبرع بيها (النسبة من الدخل)..

والسؤال هنا، هو لو واحد قدِّم حاجة ما بقاش محتاجها أو مش بيستخدمها أو مش على مقاسه يبقى كده بيقدِّم تضحية؟ ولو حد قدِّم فلوس مش هاتفرق معاه (زي حكاية "ولو بجنيه" دي) هل دي تبقى حاجة عظيمة؟ ولَّا هي حاجة "طبيعيَّة" "منطقيَّة" زي  ما بعض الأخوات بيلبسوا لبس بعض لما حد فيهم بيكبر؟

في مرَّات كتير تركيزنا في العطاء والتضحية (سواء بفلوس أو وقت أو مجهود أو اهتمام) بيكون على قيمة الحاجة اللي بنقدِّمها.. ومرَّات بنكون أشطر وبنحسب "نسبة" الحاجة اللي بنقدِّمها بالمقارنة باللي عندنا، فبنمتدح مثلًا اللي يتبرَّع بنص ثروته على اعتبار إن النُص ده نسبة محترمة.. وهنا بيكون منطقنا إن اللي بيتبرع أو بيضحي بألف جنيه مثلًا ممكن ما يكونش بيتصنَّف على إنه بيعمل خير لو مرتبه مليون جنيه، في حين إن اللي بيتبرع بألف جنيه وهو عنده ألفين جنيه يبقى بيتبرع بنص اللي معاه..

منطق كويس، إلا إننا ساعات برضه بنشوف في اللي بيتبرع بتلات أرباع ثروته إنه برضه مش بيضحي ولا حاجة، لأن الربع اللي باقي معاه ينفع يعيِّشه زي الفل.. وهنا تيجي فكرة "الباقي"!

لما بنقدِّم تضحيات أو تبرعات أو خير بيفرق قوي أنا متبقِّي معايا قد إيه! وهنا يمكن بنشوف الفرق بين التصرُّف المنطقي الطبيعي اللي فيه الناس بتستخدم الموارد اللي عندها بحكمة (زي إني أدي لأخويا لبسي اللي صغر عليَّ) وإنِّي أكون بأختار إني أقدِّم حاجة هاتخلِّيني معايا "باقي" قليل..

ماليش أي فضل لما بأقدِّم لحد حاجة أنا مش محتاجها.. وماليش أي فضل لما بأدِّي من فايض من خير زيادة (لأنُّه ببساطة زيادة).. ويمكن ماليش فضل حتَّى لما بأدِّي "نسبة كبيرة" من اللي عندي لأن ممكن برضه إن الباقي يكون بيزيد عن احتياجي.. التحدي اللي بجد هو لما حد يقرَّر إنه يدِّي من احتياج، يقدِّم وهو عارف إن اللي هايتبقَّاله يادوب يكفِّي.. يساعد بيمكن آخر جنيه معاه، يضحِّي بوقت وهو عارف إنه ده هياخد من وقت راحته ونومه..

إذا كانت قيمة العناصر الموجودة في الطبيعة بتتحدد بنُدرتها (مش بس بخواصها)، فقيمة العطاء برضه ممكن تتحدد بقد إيه هايتبقَّى معايا لو قررت إني أقدم منه.. التُفَّاحة الأخيرة اللي ساعات كل أهل البيت بيسيبوها لبعض أغلى من باقي كيلو التفاح اللي أكلوه..

افتخاري بأي حاجة بأقدمها هو افتخار مش في محلُّه، طول ما العطاء ده ما أثَّرش عليَّ.. لكن يوم ما أكون بأفكَّر إني أدي وأكون بأحسب هايتبقَّى معايا قد إيه جايز أكون على الطريق الأصح.. وهنا أقدر أساعد وأقدم تضحيَّة وأفك ضيقة صديق وأخلِّي الباقي علشاني!



Saturday, July 11, 2015

بيت الرعب

لفت نظري خبر يبدو تافه على أغلب المستويات.. عنوان الخبر هو إن فيه مجموعة من العاملين في متحف في بريطانيا  بيدوَّروا على طفل كان من حوالي سنة كسر دورق أثري من غير ما يقصد، وطبعًا الولد ساعتها حس إحساس صعب جدًّا، وهدف المتحف إنهم لما يلاقوه يطمِّنوه إنّهم صلَّحوا الدورق!
إيه ده؟ إيه الفضا ده؟ ماتسيبوا الواد يخاف! ماتسيبوه يكره حياته كده ويكره المتاحف، ويحرَّم ما ياخدش باله بعد كده! سيبوه يعيش مرعوب من نظرات الناس لو وقَّع حاجة وكسرها، ماهو غلطان.. أينعم عنده حوالي 4 أو 5 سنين بس، لكن برضه! أهو درس عشان مستقبله.. هو إحنا بنعمل كده ليه؟ مش عشاننا! إحنا خايفين عليه! (خايفين برضه!)

الخوف حوالينا في كل حتة، خايف على ابنك تخبطه عربية لأن الشارع اتحول لتلات اتجاهات! وخايف على أختك حد يضايقها في الشارع ومراتك حد يعاكسها في المواصلات وقريبك يتقبض عليه بالغلط.. وخايفة عيالك ما يدخلوش كلية كويسة، وخايف لو اتجوزت وخلفت يا ترى هاتلاقي فلوس تكفي ولا لأ..

نكاد نكون بنحب الخوف وبنحترمه، بنقدَّره كده، وقليل ما بننساه.. لدرجة إننا بنخاف لو ضحكنا زيادة، ونخاف لو حد حصله حاجة كويسة، ونخاف نشارك أخبار أو صور مفرحة أحسن نتحسد.. ده إحنا حتى بنستخدم تعبير "فلان بيخاف ربنا" تعبيرًا عن مدى ورع وتقوى الشخص، ولو حد سأل نقصد إيه نرد ونقوله لأ إحنا "بنخاف ربنا" مش "نخاف من ربنا".. شوف الفرق الرهيب!

حبنا للخوف وتقديرنا ليه هو اللي مدِّي لبرامج الإرهاب والتخويف التليفزيوني قيمة، ده فيه يا جماعة مواطنين بيفتحوا التليفزيون يتفرجوا على ممثل أو حد مشهور وهو ميِّت من الرعب وخايف يغرق أو ياكله أسد أو ينط من الطيارة، والمواطنين دول بيتفرجوا ويضحكوا! يبتسموا! يتبسطوا ويشعروا براحة كده وسلام!

إحنا حتى ألطف تعبيراتنا اللي بتعبر عن محبتنا فيها جمل زي "هاموّتك لو ماشفتكش الأسبوع ده"، "أقطع دراعي إن ماكانش فلان هايقول كذا" و"اللي يقول عليك حاجة وحشة أخزقله عنيه"، فإحنا بنجامل مجاملات لطيفة بكلام مليان موت وتخزيق عينين وقطع إيدين وكسر رقاب وما إلي ذلك!

حبِّي لحبايبي المفروض مش بس يخلِّيني "خايف عليهم" لكن يشجَّعني أطمِّنهم وأتطمِّن لهم.. الحب الأصيل هو اللي يطرد الخوف، هو اللي يسعى عشان المحبوب يحس بأمان مش بالخطر، الحب اللي بجد هو اللي يدوَّر على فرص عشان يطمِّن ويهدِّي.. يمكن حاجات تبان عبيطة زي مثلا إن متحف يدور على طفل صغير عشان يطمِّنه إنهم صلَّحوا الدورق اللي كسره بالغلط، يمكن الحاجات الصغيرة دي هي اللي بتقاوم ثقافة الخوف وبتسمح للناس يعيشوا بشكل عام في مناخ مطمئن مريح وهادي مش في بيت رعب طول الوقت!


Saturday, July 4, 2015

فين السؤال؟

عشان عقلنا يقدر يتعامل مع العدد الضخم من المُدخلات بيلجأ لعملية شبه التفنيط كده، يعني بيقسِّم الحاجات وبيلم كل حاجة شبه التانية في نفس الكومة، وده اللي بيخلينا نتعرض لخداع القولبة؛ في القولبة المخ بيكون عنده قالب جاهز ومعظم الحاجات اللي فيها شبه من القالب ده بتتحط في نفس الصندوق وبيتحط عليها معظم إن ماكانش كل مواصفات القالب..

وعلى الرغم من معرفتنا (عقليًا ونظريًا) إن التعميم والقولبة خداعة؛ إلا إننا بنعملها طول الوقت كحاجة "اقتصادية موفرة" لأن المخ ما ينفعش عمليًا إنه يختبر كل مُدخل من المُدخلات على إنه جديد جدًا بدون أي تشابه مع قالب قديم..

ببساطة، عشان نقدر نعيش محتاجين مثلًا إننا نميز بين القطة والأسد، وفي تمييزنا ده مانكونش بس بنقول إن الأسد قطة كبيرة.. ومع ده؛ غالبًا ما عندناش القدرة السريعة إننا نميز بين أسد وأسد؛ أهو كله خطر ولازم نبعد.. ففي الحالة دي كل الأسود اللي في الدنيا محطوطة في كومة واحدة..

في مناقشاتنا المنطقية (أو اللي بتسعى إنها تكون منطقية) ساعات بنحتاج إننا نبذل مجهود أكبر عشان نقدر نستوعب الموضوع ومانكونش بس بنخضع لمحاولات العقل في "ترشيد" المجهود وكعادته في إنه "يلم كل الحاجات اللي شبه بعض في كومة واحدة"..
عشان كده من الحاجات المفيدة في المناقشات عمومًا هي إن اللي بيتناقشوا يحددوا "السؤال" اللي بتدور حواليه المناقشة، مش "الموضوع" بتاع المناقشة! ليه؟

لأن "موضوع" المناقشة موجود في صناديق مختلفة عند اللي بيتناقشوا، وكل صندوق غالبًا جواه مجموعة من الحاجات اللي متصنفة مع الموضوع على إنها تبعه (تصنيف عمله مخ البني آدم اللي بيتناقش، وممكن تصنيفه يكون مختلف عن تصنيفي وعن تصنيف باقي الناس في القعدة)، وآدي مثال:
"سمعت عن اللي حصل في موضوع المثليين في أمريكا؟".. ده أهو مثال على "مناقشة" يكاد أغلبنا يبصم بالعشرة إنها يا إما هاتقلب بخناقة أو بواحد بيعتبر الباقيين مش بيفهموا، أو بناس متفقين من الأساس ورأيهم متطابق بحيث المناقشة مالهاش أي لازمة أصلًا!

لأن ببساطة كل واحد عشان يتناقش بيفتح الصندوق اللي لقى فيه "الكلمات المفتاحية" اللي اتقالت في بداية المناقشة، وآدي أمثلة للصناديق:
صندوق فيه: المثلية والمثليين والجنس المثلي والشباب الصايع الضايع والتقاليع الغلط والتاتووز.. حد تاني هايكون الموضوع ده في صندوق مختلف: الميول المثلية والاضطرابات السلوكية والانحرافات الجنسية وعلم النفس والعلاج السلوكي والإدمانات السلوكية.. حد تالت الموضوع ده في صندوق: الجنس المثلي والذنوب والسرقة وغضب ربنا وقوم لوط والعقاب الإلهي والخطية.. صندوق رابع فيه: المثلية والإيدز وأمريكا والغرب والحرية وبلاد برَّة والقوانين والحكومات..

عشان كده مناقشة عن "الموضوع" مش هاتعمل حاجة غير إنها هاتفتح صندوقك اللي إنت لامم فيه كل ما يتعلق بالقصة دي من وجهة نظرك.. وعشان كده كانت فيه حالة إحباط من المناقشة بشأن قرار المحكمة العليا بتقنين حق المثليين في أمريكا في الجواز لأن المناقشات كانت غالبًا حوالين "موضوع" مش سؤال محدد..

طب أسئلة محددة زي إيه؟ زي مثلًا الآتي: "هل من حق المثلي الحصول على الحقوق المالية المقترنة بالجواز في التعامل الضريبي والميراث وما إلي ذلك؟" وطبعًا ممكن الإجابة تكون آه أو لأ مع الأسباب؛ أو سؤال "هل من حق الدولة استخدام كلمة جواز استخدام مختلف عن الاستخدام المتعارف عليه عند أغلب الشعب؟" طب "هل مقبول تغيير المفهوم الإلهي عن الجواز إنه بين راجل وست؟ طب والمفهوم الإلهي عن الأبوة؟" وهكذا.. طبعًا الأسئلة ممكن تتطرق للإيدز وأمريكا وتبني الأطفال وحقوق الإنسان والعلاج السلوكي وكل ده، لكن من غير سؤال أو أسئلة محددة غالبًا المناقشة مش هاتتحرك لأي مكان!
 
حاجة صحية بألاحظها في المناقشات الأكتر منطقية هي إن اللي بيتناقشوا يكونوا بيفكروا نفسهم كل شوية بالسؤال اللي بيحاولوا يجاوبوه من خلال المناقشة، مش بموضوع المناقشة... حاجة كده شبه اللي قاله كمال: "إحنا ولاد الراجل ده عايزين إيه في المصيبة دي"، طبعًا ده ما يمنعش إن ممكن حد يرد "أنا عايز في المصيبة دي صندل وجلابية"، لكن على الأقل المناقشة مش عن "موضوع" سايح كبير لكن عن سؤال محدد..

مناقشات كتير هاتيجي وتروح وييجي مكانها أخبار أحدث وأهم، لكن المهارة اللي فيها بنحدد "السؤال" الأساسي اللي بنحاول نجاوب عليه هي مهارة مهمة وبتفضل معانا في مناقشاتنا المستقبلية وفي قراراتنا وانطباعاتنا اللي بنكونها عن الأخبار والأحداث المختلفة..

بأحاول أتحدَّى نفسي في المناقشات اللي بأدخل فيها وأحاول أفكَّر نفسي "هو فين السؤال؟" لأن غالبًا كده حكاية "أنا أحط إيدي على السؤال أجاوب على طول" طلعت حكاية بتنفع، على الأقل لو مش عايزين مناقشاتنا تقلب بخناقات أو خصام أو "عملتلهم بلوك كلهم!"..