Saturday, September 7, 2019

لازم أكمِّل أغرق

من أصعب القرارات القرارات اللي ليها علاقة بتغيير مسار بقاله وقت كبير، فبنلاحظ إن فيه قرارات معينة بتواجه صعوبة خاصَّة، زي القرارات المتعلِّقة بتغيير المسار الوظيفي مثلا أو الخروج من علاقات مسيئة أو الخروج لشغل مختلف أو حتى قرارات الدول بتغيير الاتجاه السياسي اللي بقالها وقت طويل فيه، ومرَّات بيكون الملحوظ في صعوبة القرارات دي فكرة إننا ’استثمرنا وقت كتير قوي في المدَّة اللي فاتت وده اللي وصَّلنا للي إحنا فيه‘، أو ’بذلنا مجهود أو فلوس عشان نكون في المكان اللي إحنا فيه دلوقت‘.

موضوع إننا ناخد في اعتبارنا الاستثمار اللي وصَّلنا للي إحنا فيه ده مش موضوع وحش، لكنه ممكن يكون وحش لو كل المؤشِّرات بتقول إن استمرارنا في الوضع الحالي اختيار غلط، ووقتها زي مايكون الوقت والمجهود والفلوس اللي اتصرفت في الوقت اللي فات بقوا عوائق تمنعنا من إننا نتحرَّك في اتِّجاه مظبوط مبني على مُعطيات جديدة.

اللي بيفكَّر يغيَّر المسار الوظيفي بتاعه بيسألوه كتير ’يعني هاتضيَّع كل السنين اللي خلَّصتها في الكلية وتشتغل حاجة جديدة؟‘، وزي ما يكون الاقتراح هو إنه بما إنك ’ضيَّعت‘ خمس سنين في دراسة الهندسة، لازم تكمِّل العمر كله في المجال ده حتَّى لو ظروفك وميولك والمعطيات اللي حواليك متغيَّرة.. كأنهم بيقولولك ’بما إنك ضيَّعت خمس سنين في دراسة الهندسة، يبقى منطقي إنك تكمِّل تضيَّع باقي العُمر في نفس المجال‘!

الموضوع ده بيسمُّوه ’مغالطة التكلفة الغارقة‘ (Sunk Cost Fallacy) على اعتبار إننا ساعات بنبص على التكلفة اللي اتدفعت فعلًا، وبنحس إننا لازم نكمِّل في نفس الاتِّجاه بالرغم من إن التكملة في نفس الاتِّجاه مش هاتكون ناجحة. المثال الشائع اللي بيقدِّموه لشرح المغالطة دي هو إنك تكون اشتريت تذكرة سينما، وتكون مش عايز تروح (أيًّا كان السبب) لكن تحس إنك مُضطر تروح عشان ’ماتضيعش عليك الفلوس اللي دفعتها‘. طبعًا وقتها بننسى إننا هانضيَّع الوقت اللي هانروح فيه الفيلم وهانضيَّع فُرص استخدام الوقت ده في حاجة تانية. مشاريع كتير بتكمِّل (حتَّى لو متوقِّعين فشلها) لمجرد إننا صرفنا عليها كتير لغاية دلوقت، وعلاقات كتير بتكمِّل لمجرَّد إننا حجزنا قاعة الفرح أو اشترينا الشقة، وناس كتير بتكمِّل في وظايف لمجرد إن سنين الخبرة اللي عندهم كتير.


إيه الحل؟ خصوصًا في مجال الإدارة والأعمال، الحل هو في تقييم الموقف والظروف بحسب المعطيات الموجودة، ولو المشروع أو الفكرة أو العلاقة بتتحرَّك ناحية الفشل، ماينفعش إننا نفضل مكمِّلين ’أصلنا صرفنا كتير‘.

ينفع أكون استثمرت في علاقة أو شغلانة أو في مشروع وأوصل لنقطة أفهم فيها إن استمرارهم فاشل فاشل، ووقتها محتاج أراجعهم. لو استثمرت سنين دراسة في مجال معيَّن والمجال ده مابقاش مُجدِي أو مُشبِع، مش منطقي أبدًا إنِّي أكمِّل في نفس الطريق لو كل المعطيات بتشاور ناحية الفشل، لمجرَّد إنِّي مش عايز الخمس سنين اللي فاتوا يكونوا ضاعوا، لأن وقتها هأكون بأضيَّع قدَّامهم كل السنين الجاية.

Sunday, July 14, 2019

الأمين في القليل

كل سنة مع نتايج الثانوية العامة بنشوف تعليقات كتير عن الدرجات ومين الأوائل وعملوا إيه بعد كده، وبنشوف كمان كلام كتير عن قيمة المجموع ومدى منطقيَّة الفخر بمجموع عالي أو الزعل على مجموع قليل.

اللي ساعات بيتنسي في المناقشات دي هو الرسالة اللي بنقدمها للقارئ، يعني مهما كان اللي بأقوله ’صح‘ لكن مش بالضرورة يكون اللي بيوصل للقارئ برضه صح. يعني مثلًا لو قلنا إن الممثِّل الفلاني سقط في ثانوية عامَّة لكن بقى مشهور وبيكسب كتير، أو إن فُلان صاحب الشركة العالمية ما درسش دراسات عُليا، هل بيكون واضح للقارئ المفروض يفهم إيه؟ الأزمة إن القارئ ممكن يفهم حتَّى لو ضمنيًا إن السقوط في الثانوية العامة هايخليك ممثل كويس، أو لو تفاديت الدراسات العليا ممكن تكون رجل أعمال ناجح. طبعًا مش ده أكيد المقصود، لكن الرسايل اللي بتوصل من ’تشجيع‘ الناس اللي مجموعها قليل (ولا يهمك، المجموع مش بيدل غير على الحفظ)، أو الرسايل اللي بتوصل للي مجموعهم كبير (ماتفرحش قوي، قال يعني نجحت في منظومة تعليمية معترف بيها عالميًا) هي رسايل مش أمينة، رسايل ’صح‘ لكنها صح في سياق مفصول عن باقي الحياة، نفس فكرة العربية سليمة ’بس كل حتة فيها لوحدها‘.

على الرغم من حُسن نيَّة اللي بيكتبوا يشجعوا اللي مجموعهم قليل، واللي غالبًا كلامهم بيكون كويس ومعقول في التوقيت ده بالذات، إلا إننا نقدر نشوف تأثير الكلام ده على الطلبة قبل الامتحانات والنتايج. بنشوف طلبة بتتكلم بنفس الطريقة وبنفس التوجُّه بتاع إن ’المجموع مش كل حاجة‘، و’اللي جابوا 99% مش شرط ينجحوا في الحياة‘، وعلى الرغم من صحة الكلام ده، لكن بنشوف تأثيره في التعامل مع الحياة بشكل عام، وبنشوفه في قلة الأمانة في التعامل مع الإمكانيات مهما كانت.

أعتقد إن الرسالة اللي ممكن تكون ’صح‘ في كل السياقات، وتكون مُشجِّعة للي مجموعه قليل أو كتير هي إن ’الأمانة مهمَّة‘، الأمانة في اللي بين إيديًّا. يعني لو أنا طالب وإمكانياتي قليلة أو كتيرة واجتهدت وجبت مجموع قليل أو كتير، أنا محتاج أفتكر إن اجتهادي نفسه بيساعدني في الحياة بعد كده، سواء بقيت ممثِّل مشهور أو صاحب شركة أو مدير أو مدرِّس أو مهندس.

عمومًا بلاش نحبط اللي مجموعهم عالي، لأنّهم يستحقوا التشجيع على المجهود والأمانة اللي قدموها حتى لو في منظومة تعليمية مبنية على الحفظ، وبلاش نحبط اللي مجموعهم قليل اللي بذلوا مجهود في حدود الإمكانيات المتاحة ليهم. لكن كمان يا ريت مانكونش بنشجع عدم الأمانة في استخدام الوقت بحجة إن النظام التعليمي ضعيف، لأن ده ممكن يترتب عليه شباب منتظرة للفرصة الذهبية ومش ناويين يبذلوا مجهود أو يكملوا في بذل المجهود بالأمانة والنزاهة بحسب الإمكانيات اللي بين إيديهم.


الأمين في القليل (في الوقت أو في الإمكانيات أو في استخدام الفُرص) بيكتسب مهارات بتقوّيه وبتخلّيه شخص يُعتمد عليها في سياقات تانية. وبكده لو عايزين مناقشات الثانوية العامة تكون مفيدة أكتر، متهيَّالي الأنسب مش إننا نقسم الطلاب لمجموع قليل ومجموع كبير، لكن لطلاب بذلوا مجهود في حدود المتاح ليهم من قدرات عقلية وإمكانيات مادية ووقت، وطلاب كان توجُّههم هو ’سيبك من الكلام ده‘ أو على رأي سُلطان ’شهادات إيه! أنا عايز أشتغل ترزي‘.

Tuesday, May 14, 2019

ياه على الجمال

من أسبوع كان فيه خبر عن أوركسترا في بوسطن أعلنت عن إنهم بيدوَّروا على طفل كان موجود في أحد العروض بتاعتهم، وكان جذب انتباه كل الحاضرين لأنُّه ببساطة قال ’’Wow!‘‘ بصوت مسموع لكل الحاضرين وكانت خارجة منه عفوية وحقيقية ومليانة باندهاش وإعجاب صادق. الأوركستر نزِّلوا إعلان ومعاه تسجيل واضح فيه صوت الولد وهو بيقول كده بعد نهاية مقطع موسيقي لموتسارت.

انبهرت بالخبر واتبسطت، واستغربت شوية من المنطق ورا الإعلان، ومافهمتش قوي إيه اللي يخلِّي العازفين بتوع الأوركسترا اللي متوقَّع منهم إنهم يكونوا مصدر الإبهار والمُتعة والفن والإبداع يكونوا هم كمان متلقِّين ليه، ويكونوا هم كمان بينبهروا بتعبير حقيقي عن الإعجاب.

الظاهر كده إن الفنان اللي أبهر آلاف اتعوِّد يكون في الدور ده، متوقَّع منه إنه يبهر، ومتوقِّع إنه يستقبل تصقيف أو كلام تشجيع مقبول ولطيف لكن جايز مُكرَّر، ويمكن عشان كده كل فنان بيدوَّر على ’’Wow!‘‘ حقيقيَّة صادقة تبهره هو وتشجَّعه من تاني إنه يكمِّل إبداع وفن، وجايز ده اللي يهوِّن تعب أنشطة يبان عليها إنها ممتِعة للفنان طول الوقت لكن ممكن من تكرارها وتكرار ردود الأفعال تبدأ تبهت، أو تبدأ تبقى عادية، أو يبدأ حتَّى الفنان ما يشوفش مدى الجمال اللي بيقدِّمه من كُتر ما قدِّمه ومن كُتر تكرار التصقيف والتشجيع المعتاد والمحفوظ.

لكل فنان مبدِع جمهور مبدِع، جمهور يقدر يفهم فنه ويردّله حتة إبداع تاني، جمهور يِقدَر يبهر الفنان برد فعل يعبَّر عن استمتاع بفن رائع.

مع كل مرَّة بنبدع في التعليق على فن إحنا بنشجَّع فنان إنه يكمِّل، مهما كان كبير، مهما كان شاطر، مهما كان بيعمل اللي بيعمله بمنتهى السهولة.

يمكن كتير حضروا عرض الأوركسترا في اليوم ده، ويمكن الكل صقَّف أو ابتسم أو مال على اللي جنبه وقال ’روعة‘، لكن فيه طفل صغير سمع المزيكا وانبهر لدرجة خلِّت الفنانين يدوَّروا على واحد من الجمهور خلَّى العرض ده مختلف.

كل ’’Wow!‘‘ بنبخل بيها، ممكن تكون فرصة ضايعة كان ممكن ننوَّر بيها شمعة فن تقدر تكمل تبدع وتبهر وتعجب ملايين.