Monday, July 18, 2016

إحنا ناخد رأي الناس

على اعتبار إن الأعداد مهمَّة، ساعات بنفتكر إن كل ما عدد أكبر من الناس كان مؤيِّد لفكرة معيَّنة كل ما كانت الفكرة دي أقرب للصح، أو على الأقل أقرب للي في مصلحة الناس.. للأسف يا ريت كان اتخاذ القرار بالسهولة دي.. في الأسابيع اللي فاتت شفنا في أكتر من مثال وفي أكتر من دولة، فكرة ’’ياللا بينا ناخد رأي الناس‘‘.. وبفرض حُسن النوايا في الآراء دي، إلا إن الأزمة الحقيقيَّة هي في إن رأي الأعداد الغفيرة من الناس مش مفروض يكون بيتساوى مع رأي المتخصِّصين.. أغلبنا فاهم ومقتنع إن لو أخدنا رأي كل الطلبة يكون فيه امتحانات ولا لأ، يمكن أعداد كبير تختار إنه ما يكونش فيه!

الأزمة طيب فين؟ الأزمة في القرارات اللي محتاجة متخصِّصين.. الآراء اللي أحد نتايجها مصيبة.. هي دي الآراء اللي ما ينفعش يكون ’’رأي الأغلبيَّة‘‘ هو الحاكم فيها..

لو نزلت بلد وعملت ’’استفتاء‘‘ وسألت الناس يدفعوا ضرايب ولا لأ، أو يكون فيه تعليم إلزامي أو لأ، أو سألت كل المرضى يفضَّلوا الدوا ده ولا ده، يبقى كده الموضوع ده هزار.. رأي الأغلبية هو أكتر طرق الديقراطية بساطة (بساطة أقرب للسطحية) لأنها معتمدة بس على ’’الأعداد‘‘، والافتراض الأساسي في حكاية الأعداد دي هي إن زيد زي عبيد زي أحمد زي علي..  كل واحد ليه صوت واحد، وكل صوت زي التاني..

اللي بيسأل الناس رأيها ممكن يكون بيسأل لأنه مش عارف، لكن مرَّات بيسأل عشان ’عارف أو مخمَّن الناس هاترد تقول إيه‘.. بمبدأ ’’الحمد لله أهي جت منهم‘‘.. اللي هو مبدأ ’’شفتوا؟ مش قلتلكم؟‘‘.. ساعات الموضوع بيعدِّي لما بتصادف والناس تختار اللي كان عايزه.. لكن المصيبة دايمًا لما بتصادف و’’الأغلبية‘‘ تختار الرأي التاني..

وقت محاكمة السيِّد المسيح، كان الحاكم مش شايف إن المسيح عمل حاجة يستحق عليها الموت، بس قال ’’أهو نخلِّي الموضوع ييجي من الشعب‘‘ فقالهم بما معناه ’’بصُّوا يا جماعة، أنا كل عيد بأعفو عن واحد.. إيه رأيكم أعفو عن الراجل ده؟ ولا أعفو عن فُلان؟‘‘.. الحاكم كتَّر خيره، لأنُّه كان فاكر إنه بيخيرهم اختيار سهل لأن فلان ده كان معروف عنه إنه مجرم ومكروه.. راحت الجاهير اختارت مين طبعا؟.. اختارت الراجل التاني!


مش هي دي الديمقراطية.. الديمقراطية مش إني أخلط أبو قرش على أبو قرشين، وأقول أهي جت من عندهم.. ما ينفعش أدرس المجال اللي كل أصحابي هايدرسوه ولا أسكن في المكان اللي كل الناس ساكنة فيه لمجرد إن ’’الأعداد‘‘ في صف الاختيار ده..

زي ما بنشوف غرابة في فكرة إننا ناخد رأي الأغلبية في أمور يلزمها متخصصين، ما يمنعش إن رأي الأغلبية ليه مكان وليه استخدام.. استخدامه لما تكون ’’كل‘‘ الاختيارات تنفع.. بنختار ناكل في أنهي مكان، أو نلعب أنهي لعبة، أو نتفرج على أنهي فيلم.. لكن لما الموضوع يكون متعلق بأمر مصيري، ييجي هنا دور الشخص المتخصص اللي دوره إنه يختار الاختيار ’’الصح‘‘..

مرَّات تحمُّل المسئوليَّة بيستلزم إني ما أديش المساحة لرأي الأغلبية.. مش إني ’’ما أطبَّقهوش‘‘، لكن إني ما أفكرش أصلًا إني أسأل الجماهير عن رأيها.. مسئوليتك كأب بتحتِّم إنك عارف مصلحة أولادك وهم صغيرين ومش هاينفع يكونوا بيختاروا بالأغلبية لو يروحوا المدرسة أو لأ.. مسئوليِّتك كمدرِّس بتستلزم إنك تعرف إيه اللي المفروض يتشرح.. ممكن تاخد رأي الأغلبية في ترتيب المواضيع اللي بتتناقشوا فيها..  جزء كبير قوي من المسئوليَّة بيتمثَّل في إني أعرف إيه اللي محتاج أكون بأقرَّره بنفسي وإيه القرارات اللي ممكن تسمح بإننا ناخد رأي الناس.
 
الديمقراطية مش قاصرة على فكرة ’’ناخد رأي الناس‘‘، لأن أوقات كتير ممكن أكون بأهرب من مسئوليتي كمتخصص في إني أقرر اللي فيه الصالح، وينتهي الأمر بمشكلة بسبب إننا أخدنا رأي الناس!