Saturday, July 11, 2015

بيت الرعب

لفت نظري خبر يبدو تافه على أغلب المستويات.. عنوان الخبر هو إن فيه مجموعة من العاملين في متحف في بريطانيا  بيدوَّروا على طفل كان من حوالي سنة كسر دورق أثري من غير ما يقصد، وطبعًا الولد ساعتها حس إحساس صعب جدًّا، وهدف المتحف إنهم لما يلاقوه يطمِّنوه إنّهم صلَّحوا الدورق!
إيه ده؟ إيه الفضا ده؟ ماتسيبوا الواد يخاف! ماتسيبوه يكره حياته كده ويكره المتاحف، ويحرَّم ما ياخدش باله بعد كده! سيبوه يعيش مرعوب من نظرات الناس لو وقَّع حاجة وكسرها، ماهو غلطان.. أينعم عنده حوالي 4 أو 5 سنين بس، لكن برضه! أهو درس عشان مستقبله.. هو إحنا بنعمل كده ليه؟ مش عشاننا! إحنا خايفين عليه! (خايفين برضه!)

الخوف حوالينا في كل حتة، خايف على ابنك تخبطه عربية لأن الشارع اتحول لتلات اتجاهات! وخايف على أختك حد يضايقها في الشارع ومراتك حد يعاكسها في المواصلات وقريبك يتقبض عليه بالغلط.. وخايفة عيالك ما يدخلوش كلية كويسة، وخايف لو اتجوزت وخلفت يا ترى هاتلاقي فلوس تكفي ولا لأ..

نكاد نكون بنحب الخوف وبنحترمه، بنقدَّره كده، وقليل ما بننساه.. لدرجة إننا بنخاف لو ضحكنا زيادة، ونخاف لو حد حصله حاجة كويسة، ونخاف نشارك أخبار أو صور مفرحة أحسن نتحسد.. ده إحنا حتى بنستخدم تعبير "فلان بيخاف ربنا" تعبيرًا عن مدى ورع وتقوى الشخص، ولو حد سأل نقصد إيه نرد ونقوله لأ إحنا "بنخاف ربنا" مش "نخاف من ربنا".. شوف الفرق الرهيب!

حبنا للخوف وتقديرنا ليه هو اللي مدِّي لبرامج الإرهاب والتخويف التليفزيوني قيمة، ده فيه يا جماعة مواطنين بيفتحوا التليفزيون يتفرجوا على ممثل أو حد مشهور وهو ميِّت من الرعب وخايف يغرق أو ياكله أسد أو ينط من الطيارة، والمواطنين دول بيتفرجوا ويضحكوا! يبتسموا! يتبسطوا ويشعروا براحة كده وسلام!

إحنا حتى ألطف تعبيراتنا اللي بتعبر عن محبتنا فيها جمل زي "هاموّتك لو ماشفتكش الأسبوع ده"، "أقطع دراعي إن ماكانش فلان هايقول كذا" و"اللي يقول عليك حاجة وحشة أخزقله عنيه"، فإحنا بنجامل مجاملات لطيفة بكلام مليان موت وتخزيق عينين وقطع إيدين وكسر رقاب وما إلي ذلك!

حبِّي لحبايبي المفروض مش بس يخلِّيني "خايف عليهم" لكن يشجَّعني أطمِّنهم وأتطمِّن لهم.. الحب الأصيل هو اللي يطرد الخوف، هو اللي يسعى عشان المحبوب يحس بأمان مش بالخطر، الحب اللي بجد هو اللي يدوَّر على فرص عشان يطمِّن ويهدِّي.. يمكن حاجات تبان عبيطة زي مثلا إن متحف يدور على طفل صغير عشان يطمِّنه إنهم صلَّحوا الدورق اللي كسره بالغلط، يمكن الحاجات الصغيرة دي هي اللي بتقاوم ثقافة الخوف وبتسمح للناس يعيشوا بشكل عام في مناخ مطمئن مريح وهادي مش في بيت رعب طول الوقت!


2 comments:

  1. الخوف والارهاب هو السبيل لبناء الكثير من الفساد

    ReplyDelete
  2. قطع رقبة اللى يزعلك تانى !
    :)))
    ف اروبا والدول المتقدمة بيخافوا على نفسية البنى آدم
    اعتقد لأنهم جربوا الهلع كتير
    وبقى فيه تقدير لقيمة الامان
    لأنهم دفعوا تمنه فادحا
    احنا للأسف ... بنعيشه
    وبنعانى منه
    ومع ذلك بنصدره لعيالنا
    ولبعضنا
    وكأننا مبنتعلمش ... على رأى الست أنغام
    الأمان جزء أصيل ف بنى الأنسان
    اللى هوه كل حاجة
    كالعادة
    تسلم دماغك
    وكتاباتك

    ReplyDelete