Saturday, November 3, 2012

مسعود

وقت ما كنت بأسافر كتير بالقطر من القاهرة لإسكندرية أو الصعيد كان فيه مرات كتير بيبقى نهاية "الموسم" بتاع لم الفلوس عن طريق "معونة الشتا".. وكان فيه كده ورقة صغيرة مع كل تذكرة.. الورقة كانت ب50 قرش... المعتاد إن كان مع كل تذكرة الراجل بيدّيك 4 ورقات (يعني 2 جنيه) زيادة عن تمن التذكرة.. طبعا كل موظف قُدامه دفتر كده محتاج يخلصه وعلى قد ما يقدر يخلص من "ورق التبرعات" كل ما يكون كويس..

الثقة اللي الموظف بيقولك بيها على سعر التذكرة (التمن الفعلي للتذكرة زائد ال 2جنيه تبرع لمعونة الشتا) بتخليك متأكد إنه هو ده النظام.. والراجل أهو بيديك الورق اللي عليه التمن بالظبط ومش مفروض يبقى فيه مشاكل..

لكن مرّة من المرات بصيت كده في ورق معونة الشتا لقيت مكتوب عليه حاجة بمعنى "معونة شتاء- تُحصّل مع كل اشتراك أو فرق تكييف" يعني لو معاك اشتراك في القطر (عادة بيبقى درجة عادية أو لو عايز تدفع فرق التكييف وتركب القطر المكيف).. الشرطين دول ما كانوش بينطبقوا على التذاكر اللي بأشتريها.. وبعدين مش مكتوب أي حاجة تدل على إنهم أكتر من ورقة واحدة (50 قرش) مع كل اشتراك أو فرق تكييف.. الأنيل من كده إن ورق المعونة ده كان مكتوب عليه تاريخ منتهي! فالحقيقة قررت إني أستخدم مهاراتي في القراية وأقول للموظف إني مش عايز "أتبرّع" (غصب عني) خصوصا إني مش اشتراك ولا فرق تكييف وخصوصا إن التاريخ اللي على ورق المعونة ده كان من كام شهر.. حسيت إني مش هأوصل لحاجة فكنت دايما أقاوح مع الموظف بعد ما أكون أخدت تذكرة القطر وأحاول أفهمه إني مش هأدفع ال 2جنيه الزيادة ومش عايز "أتبرع"..

لفتت نظري فكرة عمل الخير "الإجباري" دي.. التبرع اللي غصب عنك.. اللي هو نظام "اعمل يا أخي حاجة كويسة في حياتك وإلا مش هنبيعلك تذكرة القطر"..

والحقيقة الحكاية دي مش بس في "التبرع وإذا كان عاجبك" في القطر.. لكن موجود في المدارس "ياللا ياولاد كلنا هانساهم عشان نزين الفصل" وطبعا يا ويله اللي مش عايز "يساهم".. (إيه ده؟ إنت مش ناوي تساهم؟.. بُص هو مش إجباري.. بس لازم!!)

الموضوع ده واخد أبعاد أكبر في مجتمعنا في حاجات تبعد كل البُعد عن مجالات ينفع فيها التبرع.. لما الميّة تتقطع في البيت من غير إنذار أو لما الطرق تبقى على طول واقفة ما ينفعش لسان حالي يبقى "أهو عشان أحس بالناس اللي ماعندهمش ميّة خالص" أو "كويس إن الواحد عنده عربية" لأن الفكرة ببساطة إن جزء كبير من التضحية والتبرع والمساهمة هو إن يكون عندك "الاختيار"...

إذا بتحب خطيبتك لأن مافيش بنات تاني, مش متهيألي دي نُقطة ليك.. ومش قادر أفهم لغاية دلوقت مطلع أغنية "لو واحد في المليون ومافيش غيرك في الكون... هاأحبك".. وهو إنت عندك اختيارات؟ بيقولّك مافيش غيرك في الكون!

مافيش أي منطق يخليني أشعر بالفخر والسعادة والرضا إني "اتبرعت" لمعونة الشتا طول ما أنا دافع غصب عني.. وإذا إحساسي وأنا بأساهم عشان "نزين" الفصل هو إحساس "شالله ما عنه اتزيّن.. أنا جاي أتعلم مش أزين" يبقى التبرع والمساهمة والمشاركة هم مجرد نوع من الضريبة اللي مضطر إني أدفعها بشكل مختلف عشان أموري تمشي.. بمعنى إن لو في حالة إن عندي اختيار إني ما أدفعش وقررت ما أدفعش إذاً "التبرع" ما كانش حقيقي..

النهاردة وإحنا فاكرين إن قطع المية أو زحمة المواصلات أو حرقة الدم مع بعض موظفين الحكومة هي "تبرعات" و"تضحيات" بنقدمها وإن "المفروض نبوس إيدنا وش وضهر" وإن "فيه ناس مش لاقية كل الخير ده" يبقى إحنا بنضحك على نفسنا..

وأنا بأضحي أنا بأختار.. لازم يكون عندي اختيار إني أعمل أو ما أعملش الخير عشان وقتها يبقى فعلا خير.. الفكرة مش بس في الفعل لكن في الدافع اللي وراه.. "مسعود" في مسرحية "المتزوجون" لما مراته بتشكره إنه أنقذها.. كان رده "أموت وأعرف مين اللي زقّني!" اللي في حالة مسعود ماعندوش اختيار إنه يعمل الخير أو مايعملوش..

الشعب اللي مُجبر على عمل الخير هو شعب "مسعود" بتاع المسرحية.. لكنه أبعد ما يكون عن أي سعادة حقيقية نابعة من اختيار حُر إني أقدم تضحية أو مساعدة في حين إني عندي الحرية إني ما أعملش كده..

7 comments:

  1. رائع يا ماجد...واضح إن السيد مسعود هو الغالب اليومين دول و الأيام الجاية ..و في جميع
    المجالات.....شكرا لك
    N

    ReplyDelete
  2. Great article. Question everything is the basis for advancement.
    Keep going..and thanks

    ReplyDelete
  3. التبرع بالغصب زي الي كانوا بيسموها أتاوة زمان وكانوا بيجيبولها مبرر خير بردو

    ReplyDelete
  4. روعة :)
    بس فكرة أنك تحس بالمعاناة لما تبقى فيها غيرت حياة ناس كتير
    زى ماحدش دبخل تجربة المرض ويطلع منها بفكر جديد
    وحاجات كتير وأنواع معاناة لولا أنى دفعت ليها بقوة فى حياتى من غير ما أختارها ، ولولا أن بقى عندى نوع من الحساسية لأنواع معينة من المشاعر.
    "لأنه فيما قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين"

    ReplyDelete


  5. دا مش تبرع ...
    دا اسمه نصب رسمى
    بختم الحكومة الحلوة بتاعاتنا
    اللى بتحط ايدها ف جيوبنا
    وكله بما يرضى الله
    :)

    ولو دورت ع الفلوس دى راحت فين
    هتلاقيها راحت فى مصارف المفروض ليها بند
    ف الميزانية
    بس جه حد وسرقها
    فبيلموا م الشعب عشان يدوا الشعب تانى
    حاجة كدا
    زى من دقنه وافتلوا


    كلامك صح جدا
    خصوصا ف حكاية الاختيار دى
    اصلا اللى يفرق البنى آدم عن باقى المخلوقات
    هيا الإرادة ونعمة العقل والتفكير
    ولام نتمسك بنعمة الاختيار دى
    لأقصى حد


    ربنا يتوب علينا من مسعود
    ومنبقاش زيه
    مجبر اخاك لا مسير


    وتسلم ايدك

    :)

    ReplyDelete
  6. اكيد‏ ‏صح‏ ‏لازم‏ ‏المعطى‏ ‏يكون‏ ‏مسرور‏ ‏ لتقبل عطيته. جميل ان الانسان ينفذ قناعاته الشخصية مش قناعات شخص اخر. بس فى فى الحياه اختيارات فعلا صعبة لدرجة انك كنت تتمنى لو ان مكانش يبقى عندك حق الاختيار فيها وانك كنت تبقى مجبر على شئ يوفر عليك عناء و مخاطرة القرار . زي انك تختار بين سعادتك ومصلحتك مثلا

    ReplyDelete
  7. أنا عمري ما كنت بحرج حاجة برا الدولاب و أتبرع بيها و ماما كانت دايما تتكلم عن النظام اللي ماكنش موجود عندي بسبب الهدوم الكتير ،، لكن طلعتهم لما حسيت أني عايزة أدي حاجاتي اللي بحبها للي عايزها

    لذة العطاء لازم نحس بيها مش هنبقي مقهورين علي دي كمان!

    ReplyDelete