Thursday, August 16, 2012

لذة الجهل

المجانين مش في نعيم ولا حاجة.. يبقوا في نعيم لو فهموا إنهم مجانين.. لو فهموا إن اللي حواليهم مش بيطالبوهم بنفس المسئوليات والالتزامات والمقاييس.. بس لو فهموا يبقوا مش مجانين!

المرات اللي بنحسد فيها الأطفال على إن عالمهم بريء وخالي من المسئولية وغني بالبساطة والسلاسة هي المرات اللي بننسى فيها إن الأطفال برضه بيشيلوا الطين وبيكونوا مهمومين لو لعبهم اتكسرت أو حد زعق فيهم أو حلموا حلم يخوّف..

فالخلاصة إن ماحدش من اللي ممكن أغلبنا يفتكره في نعيم بيبقى فعلا في نعيم.. اللي بجد ممكن يكون في نعيم هو اللي عنده الجهل الحكيم.. الجهل الحلو.. اللي في نعيم هو الجاهل اللي عارف بجهله.. توليفة صعبة لكنها موجودة في الحياة..

اللي بيموت في القراية تلاقيه بيتعذب لما يدخل مكتبة كتب.. نفتكره المفروض يتبسط.. لكن بيبقى شعور مختلط.. بين السعادة اللي تكاد تغرّق.. غمر من الكتب اللي القارئ ده لسّة ماقراهاش.. وتلاقيه بين نارين.. نار إنه نفسه يكمل استمتاع بالوجود في مكان مليان معرفة.. ونار إن المكان ده هو نفسه المكان اللي بيثبت إنه جاهل وإن السكّة قدامه طويلة على مايدوق اللي يشبّعه من المعرفة والإدراك..

أعتقد إن هي دي الحالة اللي بيشعر بيها اللي بيعوم مقارنة باللي بيمشي.. اللي بيعوم عارف إن الميّة مالهاش كبير.. والإدراك ده (اللي بيحمل بعض الخطر والغموض) هو اللي بيدّي لذّة خاصة للعوم.. الاستمتاع اللي بيشعر بيه كل واحد بيقرب أكتر من ربنا فكل ما يقرب كل ما يحس قد إيه هو صغير وضعيف وتافه قدام الإله العظيم اللي بيغرّق محبيه بالرحمة والنعمة والغنى.. والدرجة دي من القرب هي اللي بتجذب ناس كتير إنها تكون بتعبد الإله العظيم اللي إدراكها لا يمكن يفهمه للآخر..

المشكلة هي في إن الجاهل مش دايما عارف هو جاهل في إيه.. مجتمعاتنا بتفترض إننا جهلة بالحساب والقراية والتاريخ فبنتعلم الحاجات دي.. لكن إيه الحاجات اللي أنا ممكن أقول عنها "مش عارف"؟.. بصراحة مش عارف! وطول ما أنا مش عارف أنا مش عارف إيه طول ما الإحساس بالغمر والمساحة الكبيرة المتاحة للتعلم ما ببقاش شايفها.. وبخسر حلاوة الجهل.. كل اللي بكسبه هو النفخة بتاعة إني عارف الحاجات اللي أنا عارفها..


أحد الحاجات اللي حيرتني وقت متابعتي للأيام الأخيرة للتجهيزات لدورة الألعاب الأوليمبية في لندن هي فكرة "هو السير سيباستيان كو المسئول عن اللجنة ابتدا من فين؟" يعني جاب "مستشارين" عشان يشيروا عليه "في إيه بالظبط"؟.. ماهو لو عارف هو مش عارف إيه ومحتاج مساعدة يبقى الموضوع بسيط..

عشان أحس بالمتعة بتاعة إني مش عارف أنا محتاج أبقى في سياقات وأوساط  تتحداني.. أماكن ومواقف تخبط في معرفتي وتوريني إن "الموضوع كبير".. أياً كان الموضوع.. كل إعلان متميز أو قطعة موسيقية جديدة.. كل لوحة أو لوجو أو تصميم أو مكان جديد بأزوره أو كتاب بقراه أو مجال علمي بسمع عنه لأول مرة هو مساحة من "الغمر" و"الإبهار" اللي ممكن يخليني ألمس ولو للحظات فكرة "ياااه.. ده فيه حاجات كتير ماعرفهاش.. ودلوقتي بس عرفت إني ماعرفهاش"..

بحثي عن مناطق جهلي هو أول خطوة ليّ ناحية المعرفة..

أتمنى تجيلي الفرصة إني أخوض بعيالي تجارب ومواقف يكبروا وينضجوا فيها.. مش عن طريق اللي عارفينه.. لكن عن طريق إنهم يعرفوا هم مش عارفين إيه.. وقتها ممكن يختاروا يتعلموا الحاجات دي أو لأ.. لكن مايخسروش متعة إن البحر كبير حتى لو بيعوموا.. آه يعرفوا حساب وقراية وتاريخ ولغات.. لكن مايخسروش لذّة الجهل..

7 comments:

  1. تحفة بجد حاجات جاية علي الخاطر وفيها فلسفة ربنا يوفقك

    ReplyDelete
  2. حلوة جداً..الله عليك يا ماجد!..وصفك لإحساس اللى بيموت فى القراية لما يدخل المكتبةأكثر من رائع..تدوينة عميقة فعلاً أحييك عليها وأشكرك.

    ReplyDelete
  3. Brilliant and wonderful.
    Koll youm azdaad ma3refa w azdaad
    ma3aaha ma3refet inny la a3ref..
    Ya3ny:Lazzet elgahl motawaffera.
    Thnaks ya Maged for giving us a lot
    to think of.
    N

    ReplyDelete
  4. حلوه قوووووى .. تسلم
    انت عارف ... انا كنت لما اجى ادخل اى امتحان ايام الكليه ... كنت بشوف وادور على اللى انا مش عارفه ولا قريته قبل كده .. كنت بلاقى حاجات كتير اوى ما اعرفهاش بس بصراحه ماكنتش بحاول حتى انى اعرفها ... جايز لانى شايف انها مش مهمه ومش هاستفيد منها ... مش عارف بصراحه ...

    ReplyDelete
  5. جميلة جداً يا ماجد واحب أويد كلام "صيحة البجعة" ااااااااااا

    ReplyDelete
  6. ابداع طول عمرك مفكر ربنا يكتر من امثالك

    ReplyDelete
  7. كل سنة وانت طيب :)
    وتنال كل ماتتمناه

    ReplyDelete