Monday, July 23, 2012

الله أكرم

فيه حاجة في اللغة اسمها adjacency pairs وبتعبر عن مجموعة من الجمل وردودها التلقائية المعروفة لكل اللي بيتكلم اللغة دي .. بمعنى إننا عادة بنرد على الجمل دي من غير ما نفكر زي مثلا: "صباح الخير" – "صباح النور".. أو "حمدالله على السلامة" – "الله يسلمك".. للدرجة اللي فيها مش بنلاحظ الردود إلا لو كانت مختلفة حتى لو صح.. مثلا لو حد قال: "كل سنة وإنت طيب" وكان الرد "شكرا".. لأ لازم الأول تبقى "وإنت طيب".. وحتى لو الواحد حالته منيلة ورجله مكسورة تلاقي الرد على "إزيك عامل إيه؟" لازم يكون "الحمدلله كويس" لكن مع تكشيرة وبداية لسرد علامات الألم والمعاناة وكده..

إلا إن من أجمل الردود (اللي مرات بتكون تلقائية وممكن لغويا برضه تُصنف كـ (adjacency pair هي "رمضان كريم" "الله أكرم"..

بيحتفل المسلمين على مستوى العالم بشهر رمضان.. وعلى الرغم من اختلاف فترة الصوم ومعاد الفطار من بلد لبلد (في لندن النهاردة مثلا الغروب كان الساعة 9:04) إلا إن تعبير "الله أكرم" غالبا على كل لسان..

جملة جميلة.. معبرة.. كلمتين لكن مافيش أجمل من كده.. المسلسلات والبرامج والمسابقات والكنافة والفوانيس ولمّة الفطار والعزومات والخُشاف وقمر الدين وبرامج المقالب وكل الكلام ده جميل.. لكن اختبار كرم ربنا اختبار من أروع ما يمكن..

وكرم ربنا مش قاصر بس على اللي بيصوم رمضان أو المسلم أو المسيحي أو اليهودي.. مش قاصر بس على "أصحاب الديانات السماوية" الناس الكويسين دول اللي هيبقى معترف بيهم في الدساتير المحترمة وكده وبتاع (وغيرهم لأ طبعا!).. كرم ربنا للكل..

والموضوع مش سهل.. الإغراءات كتير إن الواحد يفتكر نفسه هو "الأكرم".. أصل فلان عمل أكبر مائدة رحمان.. شوف الكرم؟ أو أصل فلان صام أكتر واحد في العيلة وصلّى كل الصلوات و"قدّم لربنا" كل اللي عنده.. شوف الكرم؟.. أو فُلان بطل شتيمة على تويتر في رمضان وبدأ يحط نُقط مكان الألفاظ اللي الرقابة شالتها..

عايز تشوف الكرم؟ الله أكرم.. أكرم من الكل.. وكرمه للكل.. والشطارة هي إن الواحد يتأمل في كرم وسخاء الله..

فيه ناس كل مابتجوع تحاول تمسك نفسها.. أو تنام.. أو تقرا.. أو تصبّر نفسها بفاضل قد إيه على الفطار.. وده مش وحش ولا غلط.. ومش متهيألي حرام.. لكن خسارة.. لأن ناس كتير من اللي بيمشوا على نظام غذائي بيعملوا كده..

وفيه ناس لما تجوع تحاول تفتكر الفقرا.. وتحاول تساعدهم وتحس بيهم وبجوعهم.. وده برضه جميل ومافيهوش مشكلة.. لكن منظمات خيرية كتير وأنظمة مجتمعية كتير بتعمل كده بصورة منتظمة..

وفيه ناس فاكرة إنها بالصوم بقت كما لو جاز التعبير "بترد الجميل" لربنا.. كما لو إنها بتدفع ليه.. رغم إنه هو الغني والواهب كل شيئ.. زي الطفل الصغير اللي فاكر إنه اشترى هدية لبابا رغم إن بابا هو اللي أخده للمحل ودفع الفلوس.. وبرضه فرح بالهدية..


لكن فيه ناس كل ماتجوع تفكّر في الخالق سبحانه.. في عظمته وكرمه.. في عبقرية خلقه.. في جمال إبداعه.. الناس دي كما لو إنها بتقول: جوعي وعطشي ليك إنت يا رب.. مش للأكل والشرب.. احتياجاتي إنت اللي بتسددها.. مش فلوسي ولا شطارتي.. أنا ماستاهلش خيرك ورحمتك وعنايتك.. كل ده هو من كرمك..


غالبا هي دي الناس اللي كل ماهتقولها "رمضان كريم".. هتسمع منهم أحلى وأعمق وأصدق "الله أكرم"..  

Sunday, July 15, 2012

أنا اللي لقيتها

من ضمن الحاجات اللي بتبان سهلة من بعيد لكن في منتهى الصعوبة وإحنا جواها: الجواز وتربية العيال.. معظمنا عندنا عين ثاقبة ناقدة نقدر بيها نشوف قرايبنا وهم بيزعقوا في عيالهم وننتقدهم.. نسترجع ذكريات مع والدينا ونحس إنهم كانوا المفروض مايعملوش كذا.. أو كان أحسن لو عملوا كذا..

اللي في الموقف نفسه رأيه غالبا مختلف.. في التربية بالذات العيال مرات كتير فعلا بتطلّع عين الأب والأم.. وعلى الرغم إن "الغلاسة" هي مهارة مش متوفرة عند كل الأطفال بنفس الدرجة إلا إن معظمهم عنده استعداد :).. العيل الرزل بيبقى فعلا رزل! وساعات بيستخدم فكرة إنه "طفل" كسلاح يتيح ليه إنه يمارس الغلاسة ويعيّط لو حد زعّق فيه وخلاص.. :)

وعلى الرغم إن الوضع الأسري بيختلف من بيت للتاني إلا إن فيه حاجة في البرمجة بتاعة الغلاسة في الأطفال بتبقى default فيهم كلهم.. لو دورنا هنلاقي معظم الأطفال بيعملوا مسابقة مين يخلص قزازة الكوكاكولا أسرع.. وطبعا اللي يخلص أسرع ويعلن فوزه يفاجئ بأخوه اللي لسّة ماخلصش (غالبا بيبقى الأخ الأكبر) بيغيظه بإنه "لسّة بيستمتع بيها"..:)

"لعب باللعبة بتاعتي من غير ما يستأذن".. "كسرت العروسة.. وماليش دعوة عايزة العروسة تبقى سليمة تاني".. وغيرها من الخناقات الكلاسيكية اللي فقدت أي عنصر مفاجأة أو إبهار للأب أو الأم المحنكين..

لكن تيجي أكتر المواقف استفزازا والأكثر حدوثا وهي "أنا اللي لقيته".. حاجة لقاها واحد من الأطفال.. الحاجة بتاعة أخوه لكن ضايعة بقالها وقت وهو اللي لقاها..
دي بتاعتي على فكرة
بتاعتك ده إيه؟ أنا اللي لقيتها
إنت لقيتها بس هي بتاعتي أصلا.. بابا جابهالي في عيد ميلادي اللي فات
آه.. بس دي كانت تحت السرير وإنت مادورتش عليها.. وأنا اللي لقيتها..
ماحدش طلب منك تدور عليها

وتستمر الخناقة لحد ما الأب يزعق أو الأم تاخد الحاجة..

السخيف إن الطفلين كل واحد منهم عنده منطق..صاحب اللعبة منطقه ببساطة إنه صاحب اللعبة...واللي لقاها بذل مجهود على الرغم إن أخوه كان سايب اللعبة ضايعة وقت طويل.. حتى في الثقافات الأخرى يغيظوا بعض بجملة: Finders keepers, losers weepers. بمعنى اللي يلاقي حاجة تبقى بتاعته واللي تضيع منه حاجة يقعد يعيّط!


في العالم اللي حوالينا "أنا اللي لقيتها" هي فكرة حاصلة يوميا.. وليها مبررها ومنطقها.. سواء وافقنا أو لأ.. ينفع تحكيلي من هنا لبكرة عن إن المصريين القدماء كانوا أول من فهم الطب والفلك.. استخدموا الكتابة وفهموا الهندسة.. لكن هل المعلومة دي تفرق النهاردة؟ أي عالم تاني لو "لقى المعلومة" وطورها وكمل عليها وشرّف بلده باكتشاف جديد النهاردة.. هل هقولّه على فكرة المصريين القدماء هم أول ناس فكروا في الفكرة؟

أول واحد حاول الطيران أو أول كاتب هاجم النظام القديم.. أول مدون.. أو أول واحد ضيفته على فيسبوك.. كلها قد تكون إنجازات.. لكنها لا تتعدى إنجاز إنك "أول" واحد عمل كده.. ده مش معناه إنك لا زلت الأكفأ النهاردة.. مش معناه إنك "أكتر" واحد بتفهم في الطيران أو السياسة..

"أنا اللي لقيتها" هتفضل معضلة.. هتفضل دول "متغاظة" من دول "سبقتها" في الوصول للقمر.. لكن الركّ النهاردة على مين يقدر يعمل إيه.. مش مين أول واحد عمل إيه..

الكاتب والباحث والطبيب والمهندس والسياسي اللي توصلوا لأفكار وابتكارات سبقت عصرهم ممكن ببساطة يخسروا كتير لو اكتفوا بكونهم "أول ناس" فكروا وعبروا عن إبداعاتهم.. لما ببساطة ييجي حد غيرهم يطوّر ويحدّث ويبني على فكرهم..

لو معتقدي الديني هو أول من ساوى بين البني آدمين.. لو أسرتي هي أول أسرة عارضت نظام مستبد.. لو بلدي هي أول بلد طلعت القمر.. كل ده رائع.. الأروع هو أنا فين دلوقت؟ هل لازلت بأتغنّى بإني كنت أول واحد؟ وسبت حد تاني ييجي وياخد الفكرة ويطورها ويجتهد للوصول للأحسن؟

Thursday, July 12, 2012

والحكمة

دعاء السَكينة هو دعاء أو صلاة قصيرة بيرددها مئات الآلاف على مستوى العالم من معتقدات دينية مختلفة.. مسيحيين ومسلمين وغيرهم.. قريبين قوي أو مش قوي من الخالق.. ملتزمين دينيا أو لأ.. بتجمعهم رغبة واحدة في التغيير للأحسن.. مجموعات علاجية من إدمانات مختلفة بتستخدم الدعاء ده في نهاية لقاءات مجموعات العلاج من إدمان الكحوليات أو المخدرات أو الجنس.. بيخاطبوا فيه الله الخالق سبحانه اللي في إيده كل سلطان للتغيير..

كلمات الدعاء مترجمة للغات كتير وبتقول:
اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع أن أغيرها
والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع أن أغيرها
والحكمة لأعرف الفرق بينهما..

وأي حد بيتوقف للحظات قدام الكلمات دي ممكن يتحير.. "الحكمة" لأعرف الفرق بينهما..

يكاد الواحد فينا يبقى نفسه الفرق بينهما يبقى واضح.. الحاجات اللي أقدر أغيرها كتير.. والحاجات اللي المفروض أقبلها كتير.. وساعات بيبقوا شبه بعض.. فينا ناس قربوا يقولوا "آه لو أعرف الفرق.. آه لو التقسيمة باينة.. يا سلام لو فيه ختم على كل مشكلة أو تحدي أو ظرف صعب والختم ده باين عليه "قابل للتغيير" أو "يُقبل كما هو".. يااه..

في حيرتي لمحاولة تغيير أبويا وأمي.. تصرفات عيالي..شغلي وظروفي المادية.. بلدي.. في حلمي لتغيير فهمي وإدراكي.. في محاولاتي لتغيير حب الناس ليّ.. شكلي.. صحتي..عادات سلبية سيطرت عليّ.. محتاج السكينة عشان أقبل الحاجات اللي ماقدرش أغيرها.. والشجاعة عشان أغير اللي أقدر أغيره..

والحكمة عشان أعرف الفرق..

اللهم امنحني السكينة لأتقبل الأشياء التي لا أستطيع أن أغيرها
والشجاعة لتغيير الأشياء التي أستطيع أن أغيرها
والحكمة لأعرف الفرق بينهما..
ساعدني أن أحيا يوماً بيوم وأستمتع بكل لحظة في وقتها
ساعدني أن أقبل الصعاب وأجتاز فيها لأصل للسلام
ساعدني أن أقبل العالم والناس كما هم وليس كما أريدهم أن يكونوا
ساعدني أن أتغير أنا
واثقا إنك صاحب السلطان
وسوف تفعل كل شيئ حسناً إذا سلمت قلبي وإرادتي لمشيئتك

Wednesday, July 4, 2012

كله كويس

لأ مش كله كويس! مش كل حاجة بتحصل في الدنيا جميلة وهييجي بعدها على طول خير.. لأ.. مش هو ده التفكير الإيجابي ولا التفاؤل..

عشنا سنين بفكرة إن "كله خبر خير".. اللي رجله تتكسر نقوله "جت سليمة.. الحمدلله إنها رجلك الشمال!".. الفلوس اللي نخسرها تبقى خدت الشر وراحت.. السقوط مايضايقناش لأ.. أصله هو بمثابة دفعة لقدام ("مثابة" دي لوحدها تدل على العبط)!

أجيال ورا بعض عشنا على أقل القليل.. أي حاجة تحصل تبقى كويسة (لأن حاجة أوحش كان ممكن تحصل).. الإرهاب؟ الإرهاب في كل دُول العالم.. مش كانوا بيقولوا كده؟.. الأمن؟ طب وإيه يعني؟ مانت ماتقدرش تمشي في نيويورك بعد الساعة حداشر وربع..
أي كلام..


الفكرة دي عششت للدرجة اللي فيها إحنا فعلا مش بنمثل.. إحنا مش بندّعي إننا راضيين.. لأ إحنا فعلا راضيين.. ونكتة "اشكر ربنا يا زفت.. بتعيّط عشان دراعك اتقطع؟ دانت أخوك دماغه طارت ومافتحش حتى بُقه بكلمة" هي أكبر تشبيه..


في الفيلم المشهور بتاع Runaway Brideجوليا روبرتس بتقوم بدور بنت كل ما معاد فرحها يقرب تبقى مبسوطة قوي وحاسة إن هو ده الشخص المناسب.. نفس الأحلام والطموحات.. نفس الهوايات والمزيكا والأذواق في اللبس.. كل حاجة متشابهة مع عريسها.. لكن يوم الفرح بتهرب.. 3 مرات يحصل الموضوع مع 3 عرسان مختلفين..

مشكلتها كانت إن ماعندهاش مشكلة.. كله حلو.. كل اللي يجيبه ربنا كويس زي مابنقول.. إذا ماكانتش نادية تبقى سوسو.. ماكانتش سوسو تبقى نادية.. ماكانتش دي ولا دي تبقى فوزية.. عادي يعني..!


أنا مش بس مش عارف أحدد حلمي وهدفي للحياة والـ mission statement  والـ mission impossible وكل الكلام الكبير ده.. ده أنا مش عارف أنا بكره إيه.. مش عارف إذا بجد بحب محمد منير ولا فاكر إني بحبه أصل كلهم بيحبوه!..

الرضا مش هو الانبساط اللي طول الوقت.. "الرضا بالقليل" مايتحسبش أبداً إلا لو اعترفت إن اللي معايا "قليل".. لو كل اللي ييجي يمشّي.. وأهو هنعمل إيه.. وأهو.. مادام العيال كويسين خلاص أبقى أنا مبسوط.. ابقى بضحك على نفسي..

اعتراف: كتير بحس إن كله كويس..

علم النفس بيتكلم عن آليات دفاعية بيستخدمها الإنسان عشان يقدر يتعايش.. فبدل ما أقول أنا مش بطيق شرب الشاي من غير سكر بس هشربه مادام ماعندناش سكر.. تلاقيني بقول "دي أحسن حاجة في الدنيا الشاي من غير سكر".. "ده السكر أصلا مضر جداً"

الفرق بين "الرضا بالقليل" و"عدم القدرة على تمييز القليل" هو شعرة صغيرة..

لو طول الوقت موافق إني آكل أي حاجة وأتفسح في أي حتة وأشتري أي لبس وإصحابي يجولي في أي وقت وأدرس أي حاجة وأشتغل أي شغلانة وأبقى مبسوط.. في الغالب محتاج أقيم شوية حاجات كتير..

وأهو.. كويس إنه مش شفيق!