Saturday, June 27, 2015

مش هي دي مصر

لما تحب في مصر صوت بتاع غزل البنات وقرص الطعمية اللذيذ وأحلى طبق مشكِّل من عند مشويات السعراوي زي بالظبط لما تحب في رمضان الزينة الملونة والفانوس القزاز والكنافة بالمش عارف إيه، وزي ما تحب في كلية الطب الكافيتريا الهايلة عشان بيعملوا شاورمة جميلة أو عشان أم عادل اللي على طول عندها دمغات وبتمشِّيلك ورقك من شئون الطلبة
السطحية والسذاجة اللي في الأمثلة دي مش بعيدة عن مناقشات كتير عن 'حب الوطن' في حين إن حبك لرمضان أو اقتناعك بكلية الطب المفروض يكون مبني على حاجات تانية خالص
في كل مرة ناس بتشاور على موقف 'استثنائي' فيه حد ساعد حد أو رجَّع فلوس لقاها أو منَع تحرُّش أو أو أو، مع التعليق الشهير: هي دي مصر! الحقيقة مش بيتهيألي إن هي دي مصر ولا هيَّ دي أي دولة، لأن قُدَّام الأمثلة الاستثنائية العظيمة الجميلة دي، فيه أمثلة تانية لحاجات هي العكس بالظبط وتكاد تكون بطريقة أكثر انتظامًا ومنهجيَّة وأقرب للواقع
مصر (زي أي دولة تانية) منظومة متكاملة، منظومة فيها قدر (نختلف على كونه قدر كبير أو قليل) من العدل والأمن والإبداع والتعليم والعلاج الصحي وغيرها من الحاجات اللي بتشكل كيان أي دولة.. الدولة اللي بنقول عليها دولة 'حلوة' أو 'وحشة' مش هي الدولة اللي عندها أحلى أيسكريم أو أجمل تمشية على البحر أو حتى أعرق آثار
اللي محتاجين نفتكره إن زيارة لمدة أسبوعين كفيلة بإن السايح (أو المغترب اللي نازل أجازة) يقدر ياكل من عند أبو طارق ويروح إسكندرية كام يوم ، ويتمشَّى على النيل، وياكل ترمس ودرة وبليلة، إلخ، لكن مش هي دي مصر.. مش هي دي الدولة 

مصر اللي نحب إننا نحبها هي المفروض أشمل وأكبر من كده، والحاجات والمبادرات واللفتات اللطيفة دي هي مش أكتر من كده: لفتات لطيفة، لكن عشان تقول عن دولة: أهي، محتاج تشاور على القانون وتطبيقه وعلى التعليم ومستواه وعلى الصحَّة وعلى الحاجات الأكتر استمراريَّة، مش على طبق الكنافة اللي بيديه الجار المسيحي لجاره المسلم ولا على جمال شكل الفوانيس في الشارع ولا شهامة الشاب اللي بيعدِّي واحدة مسنَّة الشارع.. لأن ببساطة مش هي دي مصر

Saturday, June 20, 2015

تشترط الخبرة

فيه تعبير في الإنجليزي اسمه "Kicking the bucket" وده تعبير عن الموت، وغالبًا هو أصل جملة "Bucket List" وهي عبارة عن قائمة بمجموعة حاجات الشخص يتمنَّى يعملها قبل ما يموت..

الملحوظ في معظم القوائم دي إن الحاجات اللي فيها غالبًا متعلقة بخبرات حياتية مش بممتلكات، يعني قليل ما هنلاقي حد كاتب إنه يتمنَّى قبل ما يموت إنه يشتري حاجة معيَّنة، لكن الأغلبيَّة بيتمنُّوا يعملوا حاجات ليه علاقة بخبرة حياتيَّة جديدة، زي مثلًا السفر لمكان معين أو حضور حفلة لمغني بيحبه أو إنه يتصوَّر مع شخص معين وهكذا..

ولأن العصر اللي بنعيش فيه هو عصر استهلاكي فأغلب الإغراءات اللي حوالينا هي إغراءات لحاجات عايزين "نمتلكها" سواء عربيات أو تليفونات أو بيوت أو أو أو... واللي شاطرين شويَّة في التسويق بيحاولوا يسوَّقوا المنتج اللي عايزينَّا نشتريه على أساس إنه هايدِّينا خبرة مختلفة، فلو اشترينا شاليه في المكان الفلاني هانبعد عن الزحمة وهانستمتع بالخصوصية؛ ولو اشترينا العربية الفلانية هانكون أكثر جاذبية وشياكة وكل الناس هاتصاحبنا!

جزء كبير من فكرة الغِنى ليه علاقة بالاستثمار، ومن وجهة نظري الاستثمار الصح هو في إني أدفع فلوس عشان أحصل على "خبرات حياتية" جديدة أو إيجابية مش إني أكنز ممتلكات..

كتير هايستغربوا من الناس اللي ممكن تدفع فلوس عشان تسافر تتفسح، أو عشان يتعلموا مزيكا، أو عشان يحضروا أمسية شعرية، وغيره، ولسان حالهم "يابني مش كنت تشتريلك قميصين أفيَد؟"

فيه خيط رفيع بين الممتلكات اللي بنشتريها عشان نمتلكها "ونتطمن" لأن الحاجة عندنا، والممتلكات اللي بنشتريها عشان نحصل على خبرة جديدة تغني أرواحنا أو نفوسنا أو عقولنا..

الغِنى اللي بتنتجه الخبرات الحياتية دي هو غنى ماينفعش يتسرق مني، ما ينفعش حد يستلفه، ما ينفعش يضيع أو يتخبط أو الشاشة تتجرّح..
أنا غني بالحاجات اللي ماينفعش تتسرق مني، أنا غني بالحاجات اللي مش عندي، اللي مش بامتلكها،
لكن ممكن أكون غني بالعلم وبالخبرة وبالحب وبالقيمة، ودي حاجات ماينفعش تتاخد من حد..

عشان كده القعدة مع الأصحاب على القهوة هي مش مجرد كوباية الشاي اللي بنشربها.. وبالتالي مش بنحسب بس تكلفة كوباية الشاي نفسها لكننا على استعداد لدفع فلوس أكتر شوية في سبيل الاستمتاع في إننا نشوف الماتش على القهوة مع بعض..

السفر والحب والعلم وتقضية الوقت مع الأطفال ومع الكبار في السن، كلها خبرات ماينفعش تتسرق من اللي مر بيها.. السمعة والشهرة والفطنة ماينفعش حد يستلفهم، حب الناس وفن التعامل وغيرهم كلها حاجات عليها علامة مائية بتاعة الشخص..

بدأت الفترة الأخيرة دي أراجع مدي اتساع الخبرات الحياتية اللي بأمر بيها ومدى استعدادي إني أستثمر في حاجات أغنى وأعمق وأكتر دوامًا من الممتلكات..

بغض النظر عن الBucket List وهل هاكتب قائمة محددة أو لأ، أحب إن أحلامي الوقت الجاي تكون بتغني الخبرات الإنسانية اللي بأمر بيها..
 

Saturday, June 13, 2015

أبانا الذي مش في السماوات

دُوَل كتير على مستوى العالم بتحتفل بعيد الأب في شهر يونيو تالت حد في الشهر، ويمكن عيد الأم هو منافس قوي لعيد الأب، على اعتبار إن سهل نشوف تضحيات الأم وتعبها وسهل نختبر في أكتر من موقف فكرة الحب غير المشروط اللي غالبًا الأم (وتقريبًا كل أم) بتقدمه..
الأب غلبان في القصة دي! أو يمكن يبان الموضوع كده.. بيُقال إن الأبوة مش غريزة، يعني مش زي الأمومة.. الأب محتاج 'يقرر' إن الابن أو البنت دول 'يتحبُّوا'.. الأب محتاج يبذل مجهود واعي عشان يضحي ويحب ويطمن ويرعى.. الأم غالبًا بتقدر تعمل ده بشكل يبان تلقائي..
لكن خطورة دور الأب مش بتتمثل بس في إنه أول واحد في حياة الطفل يحبه حب مشروط (بمعنى إن فيه اختيار للحب، أكتر شوية من الاختيار اللي عند الأم) لكنه كمان هو أول نموذج لعلاقات تانية كتير في حياتنا..
بسبب إن كلنا بنتولد (ولاد أو بنات) من الأم فمش بنعتبر الأم 'حد تاني'، وبنفضل لشهور فاكرين وحاسِّين إننا جزء من الأم، امتداد ليها.. عشان كده الأب بيكون أول 'آخَر' في حياة الطفل، أول حد 'من برة' وهنا بتبدأ تتشكل تقريبًا كل العلاقات التانية، وبتكون العلاقة مع الأب بذرة لشكل العلاقة مع ناس تاني، زي مثلًا السُلطة (بدءًا من المدرسة مرورًا بالدولة والمديرين في الشغل)، لكن كمان العلاقة مع الأب هي الشكل اللي غالبًا كل طفل بيتخيله لعلاقته مع ربنا..
ربنا سبحانه في نظر الطفل غالبًا بيبقى زي بابا، بس أكبر وأقوى ويعرف كل حاجة! النظرة دي مع شكلها البسيط لكنها مش نظرة ساذجة، لأن الله في خلقه لفكرة الأسرة قصد إن الأمومة والأبوة يكونوا بيعبروا ولو عن صورة باهتة عن حنان ورحمة الخالق (متمثل ببساطة وبطريقة مباشرة في حنان ورحمة الأم وطول بالها) وفي نفس الوقت عن حكمته وقوته وسلطته.
الأب مش مجرد راجل بيزعق ويشخط ويقطع المصروف ويفصل كابل الكومپيوتر، الأب هو أول صورة لربنا على الأرض! مسئولية ضخمة ومكانة رهيبة، مكانة ممكن تخوِّف أي أب أو أي راجل ناوي يكون عنده عيال.. ومش غريب إننا نلاحظ إن أغلب اللي عنده مشاكل مع ربنا عنده مشاكل مع أبوه..
في عيد الأب أتمنى السعادة لكل أب، وأتمنى كمان إن كل أب وكل راجل هايكون أب يكون بيستعيد المكانة الأصلية للدور ده، وإذا كان التعبير 'رب البيت' هو تعبير بلاغي في العربي إلا إنه يكاد يكون تعبير حرفي عن دور نسيه كتير من الآباء، وافتكروا بس الصرف والزعيق والشغل الكتير و'أجيبلكم منين' و'هو بابا بيتعب عشان مين'!
قبل ما كل واحد فينا يقدر يقول 'أبانا الذي في السماوات' محتاجين نشوف آباءنا اللي على الأرض بيقوموا بالدور العظيم اللي ائتمنهم ربنا عليه..

Saturday, June 6, 2015

وده دكتور ده ولا عيان؟

من ضمن الأسئلة "العميقة" اللي أغلبنا سألها واحنا صغيرين: "هو الحلَّاق بيحلق شعره عند حلاق تاني؟"، ولما بنكبر شويَّة بنسأل نفس السؤال عن دكتور السنان والجرَّاح وغيرهم

واقتناعنا بإن "فاقد الشيء لا يعطيه" مش بالضرورة معناه إن اللي بيقدِّم خدمة أو مساعدة عمره ما هايكون محتاج لنفس نوع الخدمة من حد تاني.. وطبعًا دكتور السنان هايكون عارف أكتر عن أسباب التسوُّس، وجايز ده يكون بيديله فرصة إنه يحافظ على أسنانه أكتر من غيره، لكن ده ما يمنعش إن الاحتياج لمساعدة متخصص (من نفس نوع التخصص) هو شيء مش مستبعد..

لحد كده وكويس، لكن اللي مش كويس هو لما بعضنا بيفتكر إن قُربه من مجال معين أو إن تخصُّصه فيه ممكن يديله "حصانة" من إنه يكون "في الناحية التانية"، ناحية المريض أو اللي بيعاني من مشكلة.. وبنفتكر إنه طالما أنا اللي بأساعد وبأنصح يبقى عمري ما هاكون في موقف محتاج فيه نصيحة، لأن تقديم النصيحة ده "دوري أنا".. ودي هي الصورة المبالغ فيها اللي بنشوفها لما دكتور يكون بيشرب سجاير ليل نهار ومع ذلك بيقول للعيَّانين عن أضرار التدخين، كما لو إن شغلانته كدكتور تقدر "تحميه" من اللي ممكن "الناس العادية" تتعرض ليه..
 
المجالين اللي لافتين نظري في الوقت الحالي وليهم علاقة باللي باتكلم فيه هنا هم مجال المشورة والمساعدة النفسية، والمجال التاني المجال الحقوقي.. واللافت إن كتير من اللي شغالين في مجال من دول (سواء شغل رسمي أو تطوعي أو هواة) ممكن يقعوا فريسة (حلوة فريسة دي) ممكن يقعوا فريسة لتحديات شبه التحديات اللي بيحاربوها أو بيساعدوا فيها غيرهم.. كما لو إن لسان حالهم إنهم عمرهم ما هايتعرضوا لمشاكل نفسية (لأنهم هم اللي بيساعدوا الناس في مشاكلهم) أو إنهم عمرهم ما هايظلموا حد أو عمرهم ما هايمارسوا التمييز ضد حد (لأنهم في شغلهم بيحاربوا ضده)..

الأمان (المزيف) اللي بيكون عندي لمجرد إني "قريب" من المجال أو "متخصص" فيه أو عندي فيه "خبرة كبيرة" هو أمان مضلِّل وخادع.. معرفتي بمعلومات كتير في مجال معين أو حصولي على خبرة فيه المفروض يكونوا بيساعدوني إني "ألحق" نفسي بدري، وأسعى للمساعدة أو أسعى لتصحيح خطأ أو لتصويب توجُّه غلط عندي.. وهنا أنا محتاج أكون بأستشعر (برضه جديدة بأستشعر دي) أكون بأستشعر قابليتي للتعرض للضعف زي قابلية غيري.. يمكن "علاجي" يكون أسهل أو أسرع.. يمكن أعرف المشكلة كانت فين، لكن كل ده بيبدأ من عدم استبعادي لاحتمالية احتياجي لنفس المشورة أو الحكمة أو المعرفة أو العلاج اللي بأقدمه لغيري..

الموضوع مش شرط يكون يا إما دكتور يا إما عيان، يا إما حقَّاني يا إما ظالم، يا إما نفسيًّا سليم يا إمَّا تعبان.. مننا كتير ده وده في نفس الوقت.. وجزء من الشطارة هو إن الدكتور من وقت للتاني يكون بيسأل نفسه: هو أنا عيَّان؟