وإحنا صغيرين كنا نفتكر إن المدرسين بيبقوا
مبسوطين لو الطلبة مش فاهمين.. وإن كل ما الموضوع يبقى معقد كل ما المدرس يبقى
حاسس إنه راضي كده! لكن لما بدأت في التدريس اكتشفت إن ده أسوأ كابوس ممكن ييجي
للمدرس.. إنه يكون عنده حد "مش فاهم"..
التصور العام هو إن فكرة "الفهم"
دي بتعتمد على اتنين.. مرسل ومستقبل.. زي أي حاجة فيها تواصل.. لكن مع وجود
استثناءات قليلة إلا إن المفروض إن كل الناس يبقى عندهم قدرة من عند ربنا كده إنهم
يفهموا الحاجات العامة اللي بتتدرس مثلا في المدارس أو الجامعات أو الحاجات العامة في
السياسة..
الافتراض الأساسي هو إن كل الناس بتفهم.. ولو
بدأنا من المنطلق ده مش بس هنبطل نرمي اللوم على "اللي مش فاهم" وأنا
بقى كمدرس أقول: آه طالب غبي.. أو إيه اللي جابه ده هنا؟!.. (طبعا ممكن يكون
المكان مش مناسب للطالب في المستوى.. لكن بصفة عامة كلنا عندنا قدرة أساسية على
الفهم..) فلو بدأنا بالتوجه ده هنكون بنحاول أكتر إننا نوصل رسايلنا
و"نفهّم" كل حد بنتكلم معاه..
الفكرة إن كل حد فينا بيستقبل المعلومة بطرق
مختلفة عن غيره.. التحدي اللي عندنا كمدرسين مثلا هو إننا نستخدم أكتر طرق لتوصيل
المعلومة..
جرّب كده تحاول تدّي رقم تيليفونك لحد..
هتلاقي الناس بترتاح لطرق مختلفة.. ممكن حد يقوللك: "رنللي" أو
"ملليني النمرة" أو "قول وأنا هاحفظها" أو "استنى لما
أكتبها".. على الرغم من أنها نفس المعلومة لكن ممكن كل حد فينا يرتاح إنه
يفهمها بطريقته..
من ضمن التدريبات اللي ساعات بنعملها عشان
نثبت ده هو إننا بنطلب من مجموعة من الناس إنهم يغمضوا عينيهم ويتخيلوا.. بنقوللهم
كلمة والمطلوب منهم يوصفوا بعد دقيقة كاملة شافوا أو سمعوا أو حسوا بإيه.. الكلمة
بتكون مثلا "كلب".. ردود الفعل بتبقى مختلفة تماما.. على الرغم إن ناس
كتير بتشوف –وهي بتتخيل- كلب وبتقدر توصفه.. ناس تانية بيسمعوا صوت هوهوة.. ناس
تانية بتحس بإنها شايفة مشهد بتفاصيله.. ناس تاني بتحس بملمس الكلب.. وهكذا..
أنواع كتير من المتعلمين.. مثلا البصري: وده
يحب يشوف الحاجة قبل مايكون حاسس إنه فهمها.. يحب يشوف الكلمات مكتوبة قبل ما
ينطقها.. يحفظ بسهولة الصور.. يفتكر أماكن المعلومات في الصفحة..
ناس تانية سمعية: يفتكروا تفاصيل اتحكتلهم..
عندهم ذاكرة قوية للحاجات اللي بيسمعوها.. لو سمع الحاجة مرة واحدة يفهمها.. يمكن
لو قراها يحتاج إنه يقرا بصوت عالي عشان يسمع نفسه..
ناس تانية حركية: لازم تستخدم المعلومة في
أداء لعبة أو حركة عشان تستوعبها.. وإلا تزهق وتحس إنها مش مستفيدة..
فيه
ناس موسيقية.. هندسية.. تحليلية.. ناس تتعلم من غيرها.. ناس تتعلم بإنها تتأمل لوحدها ولو
موجودة مع غيرها تركيزها يتشتت..
إحنا بقى كمدرسين علينا إننا نخاطب أكبر عدد
من طرق التعلم دي.. عشان كده بنلعب وبنعمل مسابقات وبنكتب وبنتكلم.. بنستخدم صور
وحركة وكل اللي نقدر عليه عشان نقدر "نتفهم"..
أنا محتاج أفكر نفسي طول الوقت إن كل الناس..
كل الناس بتفهم.. يمكن بيفهموا بطريقة مختلفة عني.. مسئوليتي لو عايز أفهمهم إني
أكتشف بيفهموا إزاي..
مصيبة لو أنا فاكر نفسي مابفهمش.. أنا محتاج
أكتشف إيه أحسن طريقة بأستقبل وبأحتفظ بيها بالمعلومة..
عيالك مش زي بعض.. الطلبة بتوعك مش زي بعض..
كلهم عندهم ذكاء لكن بصورة مختلفة.. ولو أنا وانت شاطرين نقدر نحاول نكتشف كل
أصحابنا وقرايبنا واللي بنتعامل معاها مفاتيحهم إيه؟ بيستوعبوا إزاي..
أما بقى لو أنا مش فارق معايا إني أوصّل
معلومتي فيبقى أسهل حاجة إني أقول عن اللي قدامي "مابيفهمش"!