مُرّة طبعا.. كل غربة مرة.. وبأقول "كل" لأن
فيه كذا نوع من الغربة.. الغربة اللي فيها الواحد بيسافر وبيعيش في بلد تانية عشان
يدرس أو يشتغل أو يتعالج لوقت طويل بتحسس ناس كتير بمرارة..
مرارة الغربة بتبقى لكذا سبب.. يبقى نفسك تشوف أصحابك أو
أهلك.. نفسك تقعد على نفس القهوة أو تتفرج على الماتش في نفس المكان.. تبقي عايزة
تخرجي مع صحباتك تاكلوا أو تشتروا لبس.. تبقى نفسك تمشي في نفس الشوارع في البلد
اللي اتولدت فيها.. ولأن توجّه الناس ناحية الغربة المكانية بيختلف من حد للتاني
فبرضه بنلاقي محاولات مختلفة "لتحلية" مرارة الغربة دي.. ناس بتستخدم
التيليفونات وSkype وكل اللي التكنولوجيا
بتحاول تقدمه عشان تقرب المسافات.. ناس بتحاول تسافر كل فترة للبلد اللي اتولدوا
فيها عشان يقضوا وقت مع العيلة وياكلوا في بلبع ويخرجوا مع أصحابهم.. فيه ناس
بتحاول تشوف أي حد "من ريحة" البلد.. فلو فيه حد من الأصحاب أو القرايب
أو حتى معارف مش قريبين قوي بيحاولوا يرتبوا يشوفوهم لو أي حد منهم جاي زيارة للبلد
اللي فيها المغترب "بيتنشّق" على أي حد بيتكلم لُغته ويشاركه أخباره
ويضحك على نفس نكته ويطمنه على أخبار البلد..
وعلى قد ما النوع ده من الغربة مُرّ إلا إنه محدود
بوقت.. يا إما المغترب بيرجع بلده ويستعيد الذكريات ويقرر إنه عُمره ما هيسافر تاني..
أو معظم أسرته بينضموا ليه وبتقل الغربة شوية لأن حبايبه معاه.. أو بيبدأ يتعود
على المكان الجديد ويتحول مكان الغربة لمكان أقرب وأحب ,ويبدأ شوية بشوية يتأقلم..
بل ساعات الموضوع يتحول لصدمة حضارية لو الشخص ده رجع لبلد ميلاده وبيسمّوه Reverse Culture Shock أو صدمة حضارية
معكوسة..
إلا إن الغربة اللي حابب أتكلم عنها هنا هي الغربة
الفكرية.. الغربة اللي ممكن تحس بيها وإنت وسط أهلك وناسك أو بعيد عنهم.. وإنت
ماشي في شوارع القاهرة أو وإنت في باريس وماحدش بيتكلم لغتك.. غربة مرارتها أكتر
من مرارة أي غربة مكانية..
في الغربة الفكرية بتبدأ تحس بإن التواصل الفكري بينك
وبين أصحابك أو أقرب الناس ليك بيتلاشى.. إحساس إنك بتتكلم مثلا عن الحرب العالمية
التانية وهم بيتكلموا عن الخناقة اللي حصلت في الشارع.. الموضوعين مهمين لكن
التباعد الذهني اللي بينهم بيخليك حاسس بغربة مرّة.. وكل اللي الناس بتفتكره هو
إننا مختلفين في "الرأي".. في حين إن الاختلاف أعمق بمراحل.. الاختلاف
في طريقة تكوين الرأي.. في "منطقية" المعتقد..
مصيبة الغربة ده إن "تحليتها" صعبة.. محاولة
التحكم في مرارتها بتزودها.. لأنك بتكتشف إن مافيش طريقة تخلي أصحابك يتواصلوا
معاك على نطاق فكري.. مهما خرجتوا مع بعض.. مهما اتفسحتوا أو اشتريتوا أكل وأكلتوا
مع بعض.. مهما اتفرجتوا على ماتشات سوا القُرب الفكري مش بيزيد تلقائيا.. بل
بالعكس بتلاقي نفسك بتبان كأنك "عامل نفسك" بتفهم.. "مش عاجبك
العجب" وعمّال "تتفلسف" وتقول "الكتاب الفلاني بيقول
كذا" أو "في البلد الفلانية بيعملوا كذا".. وبالتالي الإحساس العام
بيكون إحباط ليك واستغراب من أصحابك..
في الغربة الفكريةSkype والتيليفونات مش هتساعد.. وعمليا
مش هينفع كل ما تختلف مع صاحبك في "المنطق" اللي بيستخدمه مش هاينفع
تديله كتاب يقراه!
الاغتراب الفكري من أصعب وأمرّ أنواع الغربة.. وبيزيد كل
ما الواحد بيحس إنه "خلاص.. أنا هاأفضل أقرا وأتعلم وأستكشف وأسمع آراء ناس
تانية.. وهاأبطل أتناقش مع أصحابي عشان ما أخسرهمش"..
طول ما التواصل الفكري مش مشبع, غربة من النوع ده كفيلة
بإنها تسيب إحساس صعب لفترة طويلة.. مُرّة فعلا..
i could not agree more " gamda gedan"
ReplyDelete........................
ReplyDeleteIncredibly amazing post!! I deeply relate to the last part, almost every sentence of it! Love it! Keep the magic flow ya Maged! Thank you.
ReplyDeleteهو المر فعلا لما تحس بالتصادم الفكرى ده مع الثقافة المحيطة ككل ما عدا ناس قليلة انت عارف انهم مش هيكونوا موجودين بعد فترة بسيطة. والامر انك كل ما تحاول تهرب تلاقى نفسك زى الحصان الجامح اللى مربوط من رجليه
ReplyDelete:( wa el 7al ya wazir?
ReplyDeleteflowing* :D
ReplyDeleteطول ما التواصل مش مشبع ، غربة من النوع ده كفيلة بانها تسيب إحساس صعب لفترة طويلة...مرة فعلا." مبدع يا ماجد
ReplyDeleteN
Fantastic. It summerized my journey a great deal.
ReplyDeleteI learn to hold opinion sometime.
Thanks Maged
بتفكرني بكلام الشاعر علي سلامة
ReplyDeleteناس بعيد عنك لكن..
ترتاح أوى لكلامهم..
وناس لما تدق بابك
ترد.. يوووووووووه..
ودول إيه بقى اللى جابهم..
وناس..
مطرح ما تمشى معاهم
تلاقى الدنيا أمان..
من كتر الدفا اللى فيهم
ساعة ما ياخدوك بالحضن
ما تعرف إن كانوا هم أعز أصحابك
ولا إنت اللى أغلى أحبابهم