Wednesday, December 31, 2014

بذور جديدة

للكآبة بريق خاص! تحس فيه كده إن الكئيب هو شخص "حكيم"، "عميق" كده في تفكيره، وفاهم تفاصيل كتير عننا إحنا "باقي الناس" "البُسطا" اللي يا عيني متفائلين على الفاضي وفاكرين إن الدنيا وردي ومُقبلين كده على الحياة. وهنا بنلاقي إن الإقبال على الحياة هو مرادف "للعبط" أو "السذاجة" أو "الطيبة الزايدة" أو "السطحية" أو "قلة الخبرة" باعتبار إنها "أيَّام سودا" وكلُّه زي بعضه وما باقيتش فارقة!

ومواسم الكآبة غالبًا بتتزامن مع أي موسم فيه ريحة تفاؤل! بمعنى إن لو فيه ناس بتتلكك عشان تتبسط تلاقي صوت الحكمة ظهر "وشرح" للناس إن "مش وقته" أو "مش دي الطريقة" أو أي حاجة تانية داعمة للكآبة ومناهضة بشدَّة للانطلاق.

الموضوع مش محتاج فكاكة يعني، نظرة سريعة على تعليقات كتير من الناس فيما يتعلَّق بالسنة الجديدة أو الاحتفالات أو قرارات السنة الجديدة بتورينا بسهولة موضوع الكآبة ده، وزي ما نكون ارتحنا للنغمة دي، نغمة "ها قرر إني أخسّ وزي كل سنة كلَّها كام يوم وأرجع للأكل بنفس المعدّل!" أو "هاقرر برضه إني ألعب رياضة أو أذاكر أو أقفل فيسبوك أو أبطَّل سجاير أو آخد دراسات معيَّنة وكلها كام أسبوع وأرجع أوحش من الأول"، والنغمة دي مش بتبان للكئيب على إنّها كآبة، بالعكس، دي بتبان إنّها "واقعيَّة" "منطقية" "غير حالمة"!

بعضنا كمان لو بيحاول يكون عنده بعض التوازن بيقول حاجات على نغمة "راس السنة زي أي يوم تاني، ممكن تقرر قرارات حلوة في أي يوم تاني في السنة".. جميل! طب إيه اللي مضايقك إنه يقرر ده يوم راس السنة؟! ونفس الكلام على الأعياد وأعياد الميلاد وبدايات الشهور وبدايات السنة الدراسيَّة وغيره.

البدايات مش شرط تكون بدايات منطقيَّة، بمعنى إن بعض التوقيتات والحسابات والسنين هي تقسيمات اتُفق عليها وبعضها من صنعنا إحنا.. أيوة 1 مارس ما يفرقش حاجة عن 7 مارس، والساعة 5:00 ما تفرقش كتير عن الساعة 5:17 كبداية للمذاكرة (غير إن شكلها يبان أظبط!)، لكن مرَّات البدايات اللي "شكلها" حلو بتكون مشجِّعة لقرارات حلوة. مجرَّد إن دي بداية سنة جديدة ممكن يكون حافز لبعض الناس إنَّهم يعيدوا تقييم الوقت اللي فات، ويقرروا يزرعوا بذور جديدة.

في بداية السنة اللي فاتت بدأت أكتب أحلامي في أجندة كبيرة، ومعظم الأحلام كانت في صورة مشاريع كاملة، ولما قلِّبت في الأجندة دي من كام يوم اتبسطت من عدد الأحلام اللي اتحققت وكمان اتبسطت من جودة كتير منها، ومبسوط إنِّي مكمِّل في كتابة أحلامي على الورق لأن ده بيسهِّل جدًا إني أتابعهم، لكن كمان اكتشفت إن السنة اللي فاتت كانت مليانة ببذور كتير اترمت هنا وهنا ولسَّة البذور دي ما كبرتش، لسَّة ما فيش ثمر ظاهر، لسَّة ما فيش مشروع منتهي كامل، حاجات بدأت أدرسها ولسة ما خلصتهاش، مناقشات وأفكار ومؤتمرات يمكن ما أثمرتش عن "منتَج" واضح، لكنها ما زالت بذور حلوة ممكن يكون ليها ثمر قدَّام.

عشان كده أتمنَّى السنة الجديدة إنِّي أستثمر في حكاية البذور دي، وأنتهز كل فرصة فيها حاجة صغيرة حلوة ممكن تتعمل بغض النظر الحاجة دي بتشاور بوضوح على "مُنتَج" أو "شجرة" واضحة أو لأ.


يمكن مش كل البذور تكبر بنفس السرعة، ويمكن مش كل البذور ها تكبر من أساسه، وجايز بعض البذور تكبر بسرعة جدًا والنتايج تكون مبهرة، مش دي القضيَّة، لكن القضيَّة إن ما فيش أي بذور هاتكبر إلا لو زرعتها، إللا لو قررت إنك تحط كام بذرة في الأرض، على أمل إنك تكمل وتروي وتهتم وتتابع البذرة دي. لكل كئيب وكئيبة، مش شرط القرار يكون بيُنتِج ثمر عظيم وواضح وحلو (وإلا يكون "حماسة كل سنة")، ممكن القرار يكون شويّة بذور جديدة!

بذور كتير هاتموت، وبذور تانية ها تكبر وتثمر ثمر جميل.. سنة سعيدة