من أكتر الأمور الإنسانيَّة المُقلِقة والمؤرِّقة لأغلب الثقافات هو موضوع
الموت، سواء في مفهومه أو غرضه، سواء في كونه نهاية أو بداية لحياة تانية، وكمان
حتَّى في تعريفه الطبِّي وتمييزه عن باقي علامات الحياة، وعشان كده مناقشات كتير
عن ’الإجهاض‘ أو عن ’القتل الرحيم‘ أو عن ’الإعدام‘ بتدُور حوالين مفهوم الحياة
ومين يُعتَبَر ميِّت ’كده كده‘ ومين ’يستحق يعيش‘ وهكذا.
ولمَّا بنواجه إرهاب وقتل بنرجع نفكَّر في ’فجائيَّة‘ الموت، في فكرة إن
واحد ماشي في حاله وفجأة يبقى مش موجود، ومنَّنا ناس بتشوف في الإرهابي اللي بيقتل
أبرياء إنه مش أكتر من ’شخص ميِّت‘ بيحاول يُنشر الموت حواليه.
لكن غالبًا مسألة الحياة من عدمها مش أبيض وإسود كده، ناس كتير موجودة على
مُتَّصَل أو مدى واسع ما بين الحياة والموت، ومش كل واحد بيتنفِّس عايش، ولا كل
واحد طلعتله شهادة وفاة يبقى ’خلاص كده‘، وحتَّى مع اختلاف معتقداتنا الدينيَّة
كتير مننا بيصدَّقوا إن فيه ناس حتَّى لو ’ماتت‘ بتفضل عايشة، بتفضل ’أحياء عند
ربِّنا‘، ببساطة لأنَّهم بقوا أقرب ما يكون من مصدر الحياة نفسه!
بعضنا بيشوف إن الإرهابي اللي غرضه القتل هو بالفعل شخص ’ميِّت‘، حتَّى وهو
لسَّة صاحي.. شخص قلبه مات، مشاعره ماتت، بِعِد كتير عن الحياة لدرجة إنَّ الحياة
’بتزعجه‘، اللي يريَّحه إنَّه ’يموِّت‘ و’يمُوت‘ هوَّ كمان!
الشجرة اللي عايشة بجد هي الشجرة اللي زي ما التعبير القديم المشهور بيقول
’مغروسة عند مصدر مياة‘، الشجرة دي عندها قُرب مستمر من مصدر الحياة، قُرب يضمنلها
حياة ’أكتر وأكتر‘ طول ما هيَّ مغروسة هناك، طول ما بتاخذ حياة من مصدر حياة.
موت الجسم اللي فيه القلب بيُقف أو المخ بيقف أو أيًّا كان التعريف الطبِّي
ليه هو مُجرَّد توقُّف عن الصورة الحالية لحياتنا، لكن حياة الروح هيَّ اللي
محتاجة استثمار، واستثمار يومي، وزي ما القاتل مش بيموت ’في يوم وليلة‘، أخاف أكون
في تعاملاتي اليوميَّة بأبعد عن الحياة، الحياة اللي بجد.
أتمنَّى في السنة الجديدة إنِّي أعيش ’أكتر‘، بمعنى إن حياتي تبقى مليانة
’بالحياة‘، إن ما يكونش نُصَّها ’موت‘ و’ضلمة‘، لكن تكون كلها زي الشجرة اللي
لازقة في مصدر الحياة.
No comments:
Post a Comment