عشان عقلنا يقدر يتعامل مع العدد الضخم من المُدخلات بيلجأ لعملية شبه التفنيط كده، يعني بيقسِّم الحاجات وبيلم كل حاجة شبه التانية في نفس الكومة، وده اللي بيخلينا نتعرض لخداع القولبة؛ في القولبة المخ بيكون عنده قالب جاهز ومعظم الحاجات اللي فيها شبه من القالب ده بتتحط في نفس الصندوق وبيتحط عليها معظم إن ماكانش كل مواصفات القالب..
وعلى الرغم من معرفتنا (عقليًا ونظريًا) إن التعميم والقولبة خداعة؛ إلا إننا بنعملها طول الوقت كحاجة "اقتصادية موفرة" لأن المخ ما ينفعش عمليًا إنه يختبر كل مُدخل من المُدخلات على إنه جديد جدًا بدون أي تشابه مع قالب قديم..
ببساطة، عشان نقدر نعيش محتاجين مثلًا إننا نميز بين القطة والأسد، وفي تمييزنا ده مانكونش بس بنقول إن الأسد قطة كبيرة.. ومع ده؛ غالبًا ما عندناش القدرة السريعة إننا نميز بين أسد وأسد؛ أهو كله خطر ولازم نبعد.. ففي الحالة دي كل الأسود اللي في الدنيا محطوطة في كومة واحدة..
في مناقشاتنا المنطقية (أو اللي بتسعى إنها تكون منطقية) ساعات بنحتاج إننا نبذل مجهود أكبر عشان نقدر نستوعب الموضوع ومانكونش بس بنخضع لمحاولات العقل في "ترشيد" المجهود وكعادته في إنه "يلم كل الحاجات اللي شبه بعض في كومة واحدة"..
عشان كده من الحاجات المفيدة في المناقشات عمومًا هي إن اللي بيتناقشوا يحددوا "السؤال" اللي بتدور حواليه المناقشة، مش "الموضوع" بتاع المناقشة! ليه؟
لأن "موضوع" المناقشة موجود في صناديق مختلفة عند اللي بيتناقشوا، وكل صندوق غالبًا جواه مجموعة من الحاجات اللي متصنفة مع الموضوع على إنها تبعه (تصنيف عمله مخ البني آدم اللي بيتناقش، وممكن تصنيفه يكون مختلف عن تصنيفي وعن تصنيف باقي الناس في القعدة)، وآدي مثال:
"سمعت عن اللي حصل في موضوع المثليين في أمريكا؟".. ده أهو مثال على "مناقشة" يكاد أغلبنا يبصم بالعشرة إنها يا إما هاتقلب بخناقة أو بواحد بيعتبر الباقيين مش بيفهموا، أو بناس متفقين من الأساس ورأيهم متطابق بحيث المناقشة مالهاش أي لازمة أصلًا!
لأن ببساطة كل واحد عشان يتناقش بيفتح الصندوق اللي لقى فيه "الكلمات المفتاحية" اللي اتقالت في بداية المناقشة، وآدي أمثلة للصناديق:
صندوق فيه: المثلية والمثليين والجنس المثلي والشباب الصايع الضايع والتقاليع الغلط والتاتووز.. حد تاني هايكون الموضوع ده في صندوق مختلف: الميول المثلية والاضطرابات السلوكية والانحرافات الجنسية وعلم النفس والعلاج السلوكي والإدمانات السلوكية.. حد تالت الموضوع ده في صندوق: الجنس المثلي والذنوب والسرقة وغضب ربنا وقوم لوط والعقاب الإلهي والخطية.. صندوق رابع فيه: المثلية والإيدز وأمريكا والغرب والحرية وبلاد برَّة والقوانين والحكومات..
عشان كده مناقشة عن "الموضوع" مش هاتعمل حاجة غير إنها هاتفتح صندوقك اللي إنت لامم فيه كل ما يتعلق بالقصة دي من وجهة نظرك.. وعشان كده كانت فيه حالة إحباط من المناقشة بشأن قرار المحكمة العليا بتقنين حق المثليين في أمريكا في الجواز لأن المناقشات كانت غالبًا حوالين "موضوع" مش سؤال محدد..
طب أسئلة محددة زي إيه؟ زي مثلًا الآتي: "هل من حق المثلي الحصول على الحقوق المالية المقترنة بالجواز في التعامل الضريبي والميراث وما إلي ذلك؟" وطبعًا ممكن الإجابة تكون آه أو لأ مع الأسباب؛ أو سؤال "هل من حق الدولة استخدام كلمة جواز استخدام مختلف عن الاستخدام المتعارف عليه عند أغلب الشعب؟" طب "هل مقبول تغيير المفهوم الإلهي عن الجواز إنه بين راجل وست؟ طب والمفهوم الإلهي عن الأبوة؟" وهكذا.. طبعًا الأسئلة ممكن تتطرق للإيدز وأمريكا وتبني الأطفال وحقوق الإنسان والعلاج السلوكي وكل ده، لكن من غير سؤال أو أسئلة محددة غالبًا المناقشة مش هاتتحرك لأي مكان!
حاجة صحية بألاحظها في المناقشات الأكتر منطقية هي إن اللي بيتناقشوا يكونوا بيفكروا نفسهم كل شوية بالسؤال اللي بيحاولوا يجاوبوه من خلال المناقشة، مش بموضوع المناقشة... حاجة كده شبه اللي قاله كمال: "إحنا ولاد الراجل ده عايزين إيه في المصيبة دي"، طبعًا ده ما يمنعش إن ممكن حد يرد "أنا عايز في المصيبة دي صندل وجلابية"، لكن على الأقل المناقشة مش عن "موضوع" سايح كبير لكن عن سؤال محدد..
مناقشات كتير هاتيجي وتروح وييجي مكانها أخبار أحدث وأهم، لكن المهارة اللي فيها بنحدد "السؤال" الأساسي اللي بنحاول نجاوب عليه هي مهارة مهمة وبتفضل معانا في مناقشاتنا المستقبلية وفي قراراتنا وانطباعاتنا اللي بنكونها عن الأخبار والأحداث المختلفة..
بأحاول أتحدَّى نفسي في المناقشات اللي بأدخل فيها وأحاول أفكَّر نفسي "هو فين السؤال؟" لأن غالبًا كده حكاية "أنا أحط إيدي على السؤال أجاوب على طول" طلعت حكاية بتنفع، على الأقل لو مش عايزين مناقشاتنا تقلب بخناقات أو خصام أو "عملتلهم بلوك كلهم!"..