وإحنا صغيرين كان السؤال الأزلي بتاع "عايز تبقى
إيه لما تكبر؟" والإجابات "النموذجية": ظابط – دكتور – مدرسة .. وعلى
الرغم من إن معظمنا ما كانش يعرف أصلا هو عايز يطلع إيه (فما بالك بالسبب هو عايز
يطلع دكتور ليه) فكنا عادة بنقول حاجات زي كليشيهات كده عن الأسباب.. دكتور عشان
أخفف أوجاع المرضى (وطبعا الطفل مش فاهم في الجملة دي غير كلمتين: "دكتور"
و"عشان") ولو ظابط عشان أحمي بلدي.. والمدرسة طبعا عشان تربّي أجيال..
ما حدش بيكون في ذهنه الأسباب الشريرة بتاعة "عشان أسرق كِلية" أو
"أسحل المتظاهرين" أو "أحلق للطلبة" إلا إن عامل مشترك بيجمع
بين المهن دي هو فكرة "التحكم".. وفكرة التحكم أو ال control وإن التانيين هيسمعوا كلامي مش نابعة (حلوة
نابعة دي) من محبة العيانين والمواطنين والطلبة ليّ.. لأ.. ضمنيا كده نابعة من
فكرة إنهم شايفين إن معايا "حقنة" أو "مسدس" أو
"عصاية" (وحديثا "مقص")..
ولأننا كأطفال شايفين الجزء بتاع "سلطة" الأب
أو المدرس أو الدكتور متضخمة شوية مش بنقدر نشوف أبعاد تاني.. فبنحس إنه لما ها
نبقى آباء لازم نقطع المصروف عن عيالنا شوية.. ماهو مش معقول بعد الغُلب ده نطلع
آباء عاديين كده..
لحد هنا والمصيبة مفهومة.. المصيبة الأكبر بقى إن
الموضوع ده بيخلينا نشوف ربنا بنفس الطريقة بالظبط.. "الله يخرب بيتك"
و"إلهي يحرق قلبك".. "يارب يا شيخ تولع".. "يشيل ويحط
عليك".. وكلها "بلاوي" بنحس إنها أحد المهام الأساسية للإله اللي
خلق الدنيا دي.. هو اللي بيبهدل الناس ويحرق قلب أمهات على عيالها ويخرب بيوت.. هو
اللي بياخد الناس ويعاقبهم لمجرد إنه يقدر.. وسواء التعبيرات دي مقصودة أو هزار
وسواء صدقنا فيها أو اعتبرناها زلة لسان إلا إن تكرارها بيثبّت جوانا الأفكار دي..
النهاردة والناس بتتابع أخبار الإعصار في بلاد الغرب
شايفين ناس كتير مبسوطة وحاسّة إنه "أيوة كده.. تمام.. عايزين أكتر" في
صورة أشبه بطفل صغير بيشجع أبوه إنه يحرم أخوه من رحلة أو المصروف..
الإله اللي أعرفه مش بيخرب بيوت.. الإله اللي خلق الدنيا
دي هو اللي بكل تأكيد بيحب مخلوقاته كلها.. إله ودود محب.. إله رحيم.. إله عنده
أبوّة لكل الخليقة.. إله شايف صنعة إيديه من أجمل ما يمكن.. إله بيدّي فرص كتير
للبشر.. إله بيحترم قوانينه وبيحترم حرية الإنسان واختياراته..
الهلاك هو البُعد عن مصدر الحماية والحب والرحمة.. هو ده
الهلاك.. هو ده خراب البيوت..
على الرغم من إدراك معظمنا للحقيقة دي إلا إن ردودنا على
اللي بيدعوا على الغرب إن ربنا يحرقهم ويولع فيهم هي ردود مشابهة.. بنرد عليهم بإن
"إنتوا كمان ربنا ابتلاكم بغباوة".. أو "يارب يكونلك إنت كمان نفس
المصير" في حين إن دعواتهم هي صرخة واضحة لاحتياج للرحمة والود اللي مش موجودين
غير عند ربنا..
الله هو الهادي.. هو الودود.. هو المحب..هو الملجأ
والحصن.. هو الحماية.. الله هو البركة والرحمة والتضحية..الله هو القوة الحانية..
هو القدرة والرعاية..هو الأب الحنين اللي ضامم ولاده تحت جناحيه..
دعواتي لكل حد بيتعرض لخطر من الطبيعة أو غيره بالحماية
والرحمة.. قلبي معاكم..ولكل حد شايف "إنهم يستاهلوا" برضه قلبي معاكم لأنكم لسّة خسرانين كتير لو مالاقيتوش الود والرحمة في الخالق سبحانه..
وإنت بترد على اللي بيدعوا على الغرب بالخراب والدمار قدّم محبة وتفهّم.. بدل ما رد فعلك يكون "هُم وإنت الله يخرب بيتك"!