من أصعب القرارات القرارات اللي ليها علاقة
بتغيير مسار بقاله وقت كبير، فبنلاحظ إن فيه قرارات معينة بتواجه صعوبة خاصَّة، زي
القرارات المتعلِّقة بتغيير المسار الوظيفي مثلا أو الخروج من علاقات مسيئة أو
الخروج لشغل مختلف أو حتى قرارات الدول بتغيير الاتجاه السياسي اللي بقالها وقت
طويل فيه، ومرَّات بيكون الملحوظ في صعوبة القرارات دي فكرة إننا ’استثمرنا وقت كتير
قوي في المدَّة اللي فاتت وده اللي وصَّلنا للي إحنا فيه‘، أو ’بذلنا مجهود أو
فلوس عشان نكون في المكان اللي إحنا فيه دلوقت‘.
موضوع إننا ناخد في اعتبارنا الاستثمار اللي
وصَّلنا للي إحنا فيه ده مش موضوع وحش، لكنه ممكن يكون وحش لو كل المؤشِّرات بتقول
إن استمرارنا في الوضع الحالي اختيار غلط، ووقتها زي مايكون الوقت والمجهود
والفلوس اللي اتصرفت في الوقت اللي فات بقوا عوائق تمنعنا من إننا نتحرَّك في
اتِّجاه مظبوط مبني على مُعطيات جديدة.
اللي بيفكَّر يغيَّر المسار الوظيفي بتاعه
بيسألوه كتير ’يعني هاتضيَّع كل السنين اللي خلَّصتها في الكلية وتشتغل حاجة
جديدة؟‘، وزي ما يكون الاقتراح هو إنه بما إنك ’ضيَّعت‘ خمس سنين في دراسة
الهندسة، لازم تكمِّل العمر كله في المجال ده حتَّى لو ظروفك وميولك والمعطيات
اللي حواليك متغيَّرة.. كأنهم بيقولولك ’بما إنك ضيَّعت خمس سنين في دراسة
الهندسة، يبقى منطقي إنك تكمِّل تضيَّع باقي العُمر في نفس المجال‘!
الموضوع ده بيسمُّوه ’مغالطة التكلفة
الغارقة‘ (Sunk Cost Fallacy) على اعتبار
إننا ساعات بنبص على التكلفة اللي اتدفعت فعلًا، وبنحس إننا لازم نكمِّل في نفس
الاتِّجاه بالرغم من إن التكملة في نفس الاتِّجاه مش هاتكون ناجحة. المثال الشائع
اللي بيقدِّموه لشرح المغالطة دي هو إنك تكون اشتريت تذكرة سينما، وتكون مش عايز
تروح (أيًّا كان السبب) لكن تحس إنك مُضطر تروح عشان ’ماتضيعش عليك الفلوس اللي
دفعتها‘. طبعًا وقتها بننسى إننا هانضيَّع الوقت اللي هانروح فيه الفيلم وهانضيَّع
فُرص استخدام الوقت ده في حاجة تانية. مشاريع كتير بتكمِّل (حتَّى لو متوقِّعين
فشلها) لمجرد إننا صرفنا عليها كتير لغاية دلوقت، وعلاقات كتير بتكمِّل لمجرَّد
إننا حجزنا قاعة الفرح أو اشترينا الشقة، وناس كتير بتكمِّل في وظايف لمجرد إن
سنين الخبرة اللي عندهم كتير.
إيه الحل؟ خصوصًا في مجال الإدارة والأعمال،
الحل هو في تقييم الموقف والظروف بحسب المعطيات الموجودة، ولو المشروع أو الفكرة
أو العلاقة بتتحرَّك ناحية الفشل، ماينفعش إننا نفضل مكمِّلين ’أصلنا صرفنا كتير‘.
ينفع أكون استثمرت في علاقة أو شغلانة أو في مشروع وأوصل لنقطة أفهم فيها إن استمرارهم فاشل فاشل، ووقتها محتاج أراجعهم. لو استثمرت سنين دراسة في مجال معيَّن والمجال ده مابقاش مُجدِي أو مُشبِع، مش منطقي أبدًا إنِّي أكمِّل في نفس الطريق لو كل المعطيات بتشاور ناحية الفشل، لمجرَّد إنِّي مش عايز الخمس سنين اللي فاتوا يكونوا ضاعوا، لأن وقتها هأكون بأضيَّع قدَّامهم كل السنين الجاية.